يوسف السندي يكتب مأزق قبول إستقالة النائب العام

تم قبول إستقالة النائب العام تاج السر الحبر وفي نفس الوقت تمت اقالة رئيسة القضاء، وهكذا بين يوم وليلة تم إقالة أرفع قيادات السلطة العدلية في البلاد، وهو ما يشير إلى أن خللا كبيرا حدث في هذه السلطة استوجب هذه الاقالات، وليس خفيا ان صفا طويلا من الثوار كانوا ينادون بإقالة النائب العام، نتيجة ما يرون انه بطء في محاسبة رموز النظام السابق وفي القصاص من قتلة الشهداء، والحقيقة أن هؤلاء في ضغطهم هذا لا يفكرون في طبيعة العملية العدلية الرسمية واجراءاتها المعقدة والمتطاولة، وهو ما كبل النائب العام الحبر وابطأ من قدرته على انفاذ القانون على النحو السريع، وهم إنما يريدون محاكمات سريعة تشفي الغليل و(تبرد الحشا).

حين تولى النيابة العامة تم استقبال مولانا تاج السر الحبر استقبالا طيبا من الثوار، وقرأت مكتوبات متعددة من رجالات السلك القضائي من الثوار وهم يشيدون به وبثوريته رغم انه فضل على مولانا محمد الحافظ الذي كان اختيار الثوار الاول، وللغرابة ان كثير من هؤلاء انقلبوا عليه في الفترة الأخيرة وصاروا ينادون باقالته، وكذلك فعل الكثيرون من الباحثين عن محاكمات ناجزة، وهؤلاء لا يهمهم كيف تجيء هذه المحاكمات، بالقانون او بدونه، بقدر ما يهمهم أن يرون الكيزان معلقين في المشانق، وللحقيقة ان هذه الصورة الانتقامية التي تتملك الكثيرين وتسببت في مطالبتهم بإقالة النائب العام، هي صورة غير مفيدة لمستقبل السودان الديمقراطي، فما بني على الانتقام والتشفي لن يصمد أبدا وسينهار قريبا.

لا نعلم من هو النائب العام القادم، ولكن في كل الأحوال سيتم استقباله كالنائب السابق الحبر بالتقريظ والثناء، وإن لم يعجب الجوقة اداءه سوف تبدأ له حفلة الشواء حتى يغادر، وبغض النظر عن هوية النائب العام الجديد، فإن أي نائب عام يجي مكان الحبر ويريد تطبيق (القانون) وليس شيء سواه، فسيجد نفسه يفعل مثل ما فعل الحبر تماما، فالقانون يعتمد على الأدلة والبينات ومقتضى العدالة بدون اي اسقاطات سياسية أو ثورية، أما إذا جاء نائب عام يحكم على طريقة لجنة إزالة التمكين، نائب عام سياسي يحكم بالسياسة وليس بالقانون، فسوف ينجح مؤقتا في محاسبة كل من هب ودب من الكيزان، بينما الخطورة ان حسابه قد لا يتوقف عند الكيزان فقط وانما يمتد ليشمل حتى معارضي السلطة الانتقالية من الشيوعيين والنشطاء، نعم قد تكسب الثورة سرعة محاسبة الكيزان بهذه الطريقة، ولكنها قد تخسر بناء دولة القانون تماما، وإذا ضاعت دولة القانون فما فائدة الثورة؟.

الثورة أما أن تحاكم الخصوم بالطريقة الناجزة البعيدة عن العدالة والقانون الدولي وحقوق الانسان، فتشنق وتسحل وتخنق وتسجن وتعذب بمزاجها كما تشاء، أو أن تحاكم بالقانون، وفي هذه عليها ان تصبر على أكتمال مراحل التقاضي القانونية مهما طال امدها، وأن تحترم مخرجاته مهما كانت سواء مع مزاجها او ضده، فدولة القانون لا تعني معاقبة المجرمين بكل الطرق، وإنما تعني في المقام الأول ضمان ان لا يعاقب المجرم الا بالقانون وكما قال الكتاب، لذلك أتمنى أن لا يمارس مجددا الضغط الانتقامي والحملات الباحثة عن التفشي ضد النائب العام الجديد، فما يهم الثورة وما يعبر بها نحو الغد المشرق ليس انتقامها وإنما عدلها وعدالتها.

صحيفة السوداني

Exit mobile version