يوجد بعلم النفس مفهوماً يسمى ( الإسقاط) يربط به الإنسان فيه بينه، وبين أحداث معينة، فلا يرجع حدوثها لأسبابها الحقيقية، لأن الأسباب الحقيقية بعيدة عنه أو ذهنية غير محسوسة، فيقوم بصورة لا شعورية منه بربط الأحداث بأشياء ومجسمات حوله لا علاقة لها بالأحداث.
فمثلاً:
تقع سيارته في أكثر من حادث لا يرجع ذلك للأسباب الحقيقية وراء هذه الحوادث، وإنما يعلل السبب بأن ماركة هذه السيارة غير موفق معها.
يقع في مشاكل مع سكان حيه لا يذهب إلى الأسباب الحقيقية،وإنما يعلل السبب بأن اسم الحي، ومكانه غير مناسب معه.
يقع في مشاكل في محيط عمله يعلل السبب بمكان العمل.
إذا طبقنا مفهوم (الإسقاط) على فشل (الحركة الإسلامية) على الصعيدين الدعوي والسياسي نجد أنه يتم (إسقاط) الفشل على منتسبيها.
في حين أن الأسباب الحقيقية للفشل ليست بسبب منتسبيها.
وما منتسبوها إلا اثنان:
واحد: استغل خطأ الممارسة وذهب يحقق أهدافه عبرها.
وآخر: إكتوى من ممارستها الخاطئة، فظل معها إلى أن أصابته نيرانها.
(الحركة الإسلامية) في السودان بمختلف مراحل نشاطها إلى أن وصلت إلى سدة الحكم لم يكن السبب في إخفاقها الأشخاص الذين ينتسبون إليها بقدر ما كان السبب في ممارستها للنشاط السياسي.
هذا السبب خلف معضلتين:
المعضلة الأولى: جعل من ينضم إليها لا علاقة له بأهداف الحركة، وذلك بسبب المحفزات والمغريات التي قدمتها له الحركة من جهة، وذلك حينما إختلط اسم الحركة بالسلطة ونفوذها.
و بسبب عدم محاسبته حينما يخالف أهدافها من جهة أخرى، فهو ما دام موال لها، فلا ذنب له.
المعضلة الثانية: وهي الأهم أنها بممارستها الخاطئة أعجزت من نيته الإصلاح سواءً بإبعاده أو بعدم فاعليته داخل الحركة.
ما هي الأسباب التي جعلت ممارسة (الحركة الإسلامية) خاطئة؟
النقطة الأساسية التي جعلتها منذ البداية تحيد عن الطريق، وما زالت تسيطر عليها هي حصر كل همها وشغلها على التخلص من منافسها، وبأية وسيلة كانت، ونسيت أو تناست أنها محكومة بمنهج رباني أدعت أنها تمثله.
فالله لا يأمر أولياءه بالنتائج، وإنما أمرهم بصواب العمل.
شغلت كل همها، ووقتها، ومجهودها بعدوها رغم أن منافسها ضعيف، وليس له قاعدة، وليس له تاريخ، ولا مستقبل له في السودان.
وبسبب هذه الممارسة توالت الإخفاقات تباعا إخفاقاً وراء إخفاق، وأهم هذه الإخفاقات يمكن إجماله في النقاط التالية:
* العمل على استقطاب عضويتها بغرض أن تزيد، وتكثر على منافسها بأية وسيلة غش خداع إغراء شراء ذمم …
فهي تطلب الأكثرية فقط وما علمت أن هذا المطلب سيقوض الشعار (هي لله هي لله)
* وبالمقابل عملت على الحد من عضوية منافسها بأية وسيلة تصفية بطش طرد شراء … وما علمت أن هذا الوطن ليس ملكاً لها وحدها.
* الإسراع بالاستيلاء على السلطة حتى ولو بالخداع، وحتى ولو بتقويض نظام ديمقراطي قبل أن يسبقها منافسها على السلطة، وما علمت أنها بهذا العمل سوف تقع في نفس الإشكال الذي هربت منه، فهي ما عملت سوى حولت الصراع على السلطة، فبدلاً من أن يكون بينها وبين منافسها حولت الصراع إلى
جسمها، وما زالت المعضلة قائمة.
* الاستمرار والحفاظ على السلطة بأي شكل حتى لا يجد منافسها فرصة.
* المكابرة وعدم الإعتراف بالخطأ بعد سقوطها لئلا يستغلها منافسها.
* كل متسلق ومطالب لأطماعه وصل خلال ممارستها هذه، لأنه عرف أن همها ومشكلتها كلها تتلخص حول منافسها الذي أمامها (اليسار)، وأن هدفها هو التغلب عليه بأية وسيلة كانت،
فصار يقدم لها مطلبها هذا ويفعل ما يشاء متى شاء.
وكانت النتيجة الطبيعية لهذه الممارسة هي أن المصلح لم يعرف أن يحقق قيمة واحدة.
ولا المفسد وجد ما يمنعه من فساده.
من إكتشف خطأ ممارستها من المصلحين آثر الإبتعاد، ومن عاهد نفسه من المصلحين بعدم التخلي عنها لآخر لحظة أصابته نتائج ممارستها الخاطئة، فاتهم، وسجن، ومات في سجنه. نسأل الله كل من تمسك بها من أجل الأهداف التي رفعتها أن يكون ما أصابه ذخراً له في دار لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من
أتى الله بقلب سليم.
صحيفة الانتباهة