عندي كلمة أحب أقولها (2)

دراما فضيل عن اتفاقية سيداو التي اشعلت النار في الاسافير ..ولم تجد من يطفئها حتى كتابة هذه السطور ..كان لها الفضل في إخراج المثقف السوداني من كهفه البعيد ..لكنه يا للأسف ..صار يتخبط في الردود ..ولم يستطع ان يحرز هدفاً في مرمى الخصم ..في مقابل تلك الجماهيرية التي أحرزها فضيل بدراما لمدة دقائق ..لماذا ؟ لأن فضيل خاطب الناس بلغتهم التي يفهمونها ..واستطاع توصيل فكرته التي يريد بأبسط الطرق ..وهو ما لم يستطعه الأوائل .
فضيل نشكره لأنه خطا الخطوة الأولى ..رغم كل المغالطات التي اوردها في الدراما ..لكنه جعلني اتساءل ما هي سيداو حقيقة ..فكان ان ذهبت لأنقب عن بنودها الأصلية ..واكتشفت أشياء كثيرة ..لكن قبل كل شئ ..دعونا نثبت أمراً مهماً ..هو ان كل دول العالم تتعامل فيما بينها بالاتفاقيات والمواثيق ..ولجان الامم المتحدة التي تجوب العالم كل يوم ما هي الا لضمان ترتيب انسيابية التعامل بين الدول.. والا لسادت الحروب العالم ..لأن الاختلاف هو سنة الكون ..على سبيل المثال لولا اتفاقيات حقوق الانسان لما تمكنا كمسلمين من ممارسة شعائرنا في بلاد لا تدين بالاسلام ..ولولا اتفاقيات حفظ حقوق الاقليات لما تمكن اصحاب المعتقدات المغايرة من العيش بحرية في دول تدين بمعتقدات مختلفة.
أقول بحثت عن بنود اتفاقية سيداو ….فوجدت انها احدى اتفاقيات الأمم المتحدة منذ العام 1979..(تخيلوا) .. أهم شئ في الموضوع كله …هو قبل الخوض في تفاصيل الاتفاقية ..ان اتفاقيات الامم المتحدة يمكن التحفظ فيها على أي بند مخالف للمعتقدات أو الاعراف السائدة في البلد وتسجيل ذلك قبل التوقيع وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية وكثير من الدول الاسلامية.
الاتفاقية بصورة عامة ..تتحدث عن الغاء التمييز الواقع على المرأة في جميع مناحي الحياة ..تعليم ، صحة ، فرص الزواج ، فرص التوظيف ..حق الاجور المتساوية والمعاش ….بمعنى اذا كانت المرأة معززة ومكرمة في بلادك ..وتأخذ حقوقها كاملة ..من تعليم وفرص للتوظيف وحقها في الاجازات النوعية ومساواة الاجور والمعاش وحقها في اختيار الزوج ومنح الجنسية لطفلها لو كانت متزوجة من أجنبي .. عندها ستخدمك هذه الاتفاقية و لن تضرك … وفي المقابل لم أجد ذلك البند الذي يبيح كل الاشياء المحظورة والمخالفة للعرف والتقاليد التي قالها فضيل في درامته ..
لكن ليس هذا ما وودت الكتابة عنه ….أردت قول ان الهجمة التي طالت الممثل المغلوب على أمره بعد ان أدى دوره المكتوب وتلقى أجره عليه ..لم تخدم القضية ..لكنها زادت من نفور الناس منها ..لأنهم ببساطة لا يمتلكون المعلومة الصحيحة ..وللاسف أصحاب الرأي والعقد عاكفون في عليائهم ..ووقتهم لا يسمح لهم بمخاطبة الدهماء من شعوبهم ..
كان يمكن تفنيد ما ذكره فضيل بهدوء بذات المنطق الذي أورده ..وهو انه يتبع الشرع والسنة. أولاً.. في بداية الاسكتش رفض فضيل رفضاً باتاً النقاش مع زوجته ..وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ..الذي كان يناقش زوجاته ..ويمتثل لرأي الحكمة الذي يستحسنه ..وخير مثال رأي السيدة ام سلمة في صلح الحديبية حين دخل عليها حزيناً انه لا أحد يستمع له وهو يناديهم بأن اذبحوا الهدي واحلقوا رؤوسكم .. فأشارت عليه بأن يخرج ولا يحادث أحداً.. يذبح ذبيحته وينادي الحلاق ليحلق له..فأخذ برأيها فتبعه المسلمون اجمعون.
ثانياً …قال الممثل ان المرأة التي تأتي وهي في المخاض بطفل غير شرعي ..الاتفاقية تلزم المستشفى بمساعدتها في الولادة ..وهذا ما استهجنه فضيل ورفيقه ..لكن هذا الامر في الاسلام قبل (سيداو) بقرون عددا ..اذ نصح النبي صلى الله عليه وسلم تلك التي أتت وأقرت بالزنا فقال لها فيما معناه اذهبي وانجبي طفلك ومن ثم عودي ..بل انه أرجعها مرة أخرى حتى تفطم ابنها ذلك ان الطفل لا ذنب له فيما ارتكبه والداه ..يعني الموضوع (ما عايز سيداو).
ثالثاً.. الاتفاقية لم تأت على ذكر الميراث ومساواة الذكر والانثى ..والشئ المعروف بالضرورة ان حالات المواريث فيها أكثر من وضعية للأنثى فيها أكثر من مرة ترث أكثر من الذكر وفيها مرات تحجب الذكر فترث ولا يرث وفيها مرات تتساوى معه.
كان من الممكن ان تنتظم وسائل الاعلام حملة كاملة تشرح الاتفاقية بالتفصيل ..كان ممكن ان تتم كتابة دراما يتم فيها توصيل المعنى بذات البساطة التي فعلها فضيل ..كان من الممكن استضافة اولئك الذين يرون فيها خيراً ..ومعارضيهم واقامة مناظرة ..وترك القرار لنا لكي نفصل في الأمر ..كان من الممكن تلقي اسئلة الجمهور والاجابة عليها بكل شفافية .. اذ انه من حقنا كشعب ان نناقش أي اتفاقية يتم التوقيع عليها ..من حقنا ان نفهم كل التفاصيل ….من حقنا ان نعترض على احد البنود او أكثر ومن حقنا أيضاً ان نوافق ..هذه الديمقراطية التي نعرفها …والتي خرجنا من أجلها ..تسمح لفضيل بتمثيل ما يراه ..وتعطي الفرصة للرأي الآخر للرد عليه دون اساءة او تجريح ..وأخيراً وليس آخراً.. تفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير …وآسفة للاطالة.
ملحوظة : أتمنى من الجميع البحث عن البنود الاصلية للاتفاقية ..

ناهد قرناص
صحيفة الجريدة

Exit mobile version