تحقيقات وتقارير

أزمة سد النهضة .. تدخلات خارجية وتنصل انتقائي!

قال رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد، إن بلاده ستتم الملء الثاني لسد النهضة في موعده المقرر في يوليو المقبل. وقال أبيي أحمد في رسالة تهنئة بعيد الفصح أمس السبت: سد النهضة الذي طال انتظاره منذ سنوات يقترب من الاكتمال ونتطلع إلى الملء الثاني في يوليو المقبل. واعتبر رئيس الوزراء الأثيوبي من وصفهم بمنافسي بلاده ومناهضي السلام يحاولون عرقلة أديس أبابا عن نهضتها، مشيراً إلى أن السد سيؤدي إلى نهضة وقيام إثيوبيا. وكان مسؤولون إثيوبيون قد اعلنا استنكار بلادهم لاتفاقية المياه الموقعة سابقاً بين دول المنطقة بواسطة بريطانيا وأعلنوا رفض بلادهم لتلك الاتفاقية وقالوا إنه لا مكان لها اليوم في الخارطة الافريقية، ما يشير إلى التمادي الأثيوبي في تعقيد جذور الأزمة المتعلقة بسد النهضة وتقسيمات المياه بين دول المنبع والمصب، ما يشير إلى أن المنطقة موعودة بخريف ساخن من الصراعات الدبلوماسية والمواجهات بين الدول الثلاث حول الملء الثاني لسد النهضة بجانب نبش الاتفاقيات القديمة ما يعمق جذور هذه الأزمة.

وفد أمريكي

ويأتي هذا، بينما تستعد الخرطوم لاستقبال اثنين من أعضاء الكونغرس الأميركي في زيارة للخرطوم غداً الإثنين يلتقيان خلالها القيادة السودانية لبحث ملف سد النهضة وأزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا. ويصل السيناتور كريستوفر كونز عضو لجنة العلاقات الخارجية والسيناتور كريسفان هولين في زيارة تستغرق ثلاثة أيام في إطار تعزيز التعاون لعلاقات الخرطوم وواشنطن ومناقشة آخر التطورات على الحدود السودانية الإثيوبية. وطبقاً لمصادر فإن عضوي الكونغرس يتوقع أن يزورا معسكر أم راكوبة للاجئين الإثيوبيين في ولاية القضارف. ويلتقي الوفد الأميركي خلال زيارته برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك ووزير العدل نصر الدين عبد البارئ ووزير الري ياسر عباس، لبحث الخلافات حول سد النهضة الإثيوبي. يذكر أن السيناتور كريستوفر كونز من ولاية ديلاور هو الذي رعى قانون حصانة السودان وإعادة سيادته القضائية في الولايات المتحدة.

موقف ثابت

وجددت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي تمسك السودان بموقفه الثابت المتجدد في قضية وأزمة سد النهضة الأثيوبي. وطالبت مريم خلال الإفطار الرمضاني الذي نظمته السفارة السودانية بكيغالي برواندا مؤخراً، القادة الأفارقة والاتحاد الأفريقي بالضغط على الجانب الاثيوبي للوصول لاتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة حتى يفتح الطريق أمام التعاون التنموي، مؤكدة السعي بكل السبل السلمية لتحقيق مصلحة السودان، وشددت الوزيرة على حرص السودان لإقامة علاقات متوازنة مع كل الدول مؤكدة السعي لتحقيق السلام في المنطقة.

تسميم الأجواء

وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا صحفيًا استنكرت فيه تصريحات مسؤولين أثيوبيين حول اتفاقيات المياه الموقعة بين البلدين والتي تتهم السودان بمحاولة جرها لاتفاقيات استعمارية، وشددت الوزارة على أن التصريحات تنم عن تنصل عن الاتفاقيات الدولية التي تم إبرامها. وقالت الخارجية من الأعراف المستقرة في العلاقات الدولية التزام الدول والحكومات بالاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعتها الأنظمة والحكومات السابقة لها. وأن التنصل عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بإطلاق التصريحات الصحفية وتعبئة الرأي العام المحلي ضدها لأسباب سياسية محلية، إجراء يتسم بعدم المسؤولية ومن شأنه أن يسمم مناخ العلاقات الدولية ويجعله عرضة للإرادات المنفردة ويشيع فيها الفوضى ويقوض أسس حسن الجوار التي تأسست عليها العلاقات السودانية الإثيوبية لقرون. إن الادعاء الاثيوبي بأن الاتفاقيات المعنية إرث استعماري لا يعتد به هو مغالطة صريحة للوقائع التاريخية، فلقد كانت أثيوبيا دولة مستقلة ذات سيادة وعضواً في المجتمع الدولي وقت إبرام تلك الاتفاقيات، بينما كان السودان خاضعاً للاستعمار الثنائي. ولفتت الخارجية إلى أنها تود أن تلفت عناية الجارة إثيوبيا إلى أن مثل هذا التنصل الانتقائي عن الاتفاقات الدولية لأسباب دعائية وسياسية محلية نهج مضر ومكلف ولا يساعد على التوصل لاتفاق متفاوض عليه ومقبول لدى كل الأطراف. كما لا نحتاج أن نذكر اثيوبيا بأن التهاون غير الرشيد في استخدام مثل هذه الدعاوى المضللة والتنصل عن الاتفاقات السابقة، يعني كذلك المساس بالسيادة الأثيوبية على إقليم بني شنقول الذي انتقلت إليها السيادة عليه من السودان بموجب بعض هذه الاتفاقيات بالذات.

ترسيم الحدود

وأكد محمد سليمان فايد، الباحث المتخصص بالشؤون الإثيوبية أنه رغم اعتراض إثيوبيا على اتفاقية 1902 وإعلان رفضها لها فيما يتعلق بالبنود الخاصة بنهر النيل، إلا أنها استندت لنفس الاتفاقية في أزمتها مع السودان حول الحدود في السبعينيات، مطالبة بضرورة الالتزام بما جاء في بنود هذه الاتفاقية حول ترسيم الحدود بينهما، وبالتالي إثيوبيا تتعامل بازدواجية مع بنود اتفاقية 1902 ففيما يتعلق بنهر النيل رفضتها بحجة أنها لم تُعتَمد من حكومة إثيوبيا وفيما يتعلق بترسيم الحدود مع السودان استندت إليها كسند قانوني! وكذلك مع ترسيم الحدود مع إريتريا. وناشد الباحث، الحكومة المصرية بالاستفادة من الخبراء المتخصصين بهذا المجال فهناك أساتذة يمتلكون الخبرة من بينهم الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وعدد كبير بكلية الدراسات الأفريقية العليا بالجامعة. وحول التصريحات التى تصدر عن عدد من المسؤولين الكبار بإثيوبيا، والخاصة بمفاوضات سد النهضة، ومحاولات الظهور بوجود معركة مع مصر لفت إلى أنها تصريحات للتسويق المحلي بالداخل الإثيوبي، لخلق قضية وطنية تمتص غضب المواطنين، بعيدًا عن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

خدمة المصالح

بينما يرى د. السر محمد علي الخبير الاستراتيجي لـ(الصيحة) أن محاولة إثيوبيا جرجرة السودان نحو مسائل أخرى غير موضوع التفاوض، وهو ملء وتشغيل سد النهضة، غير منتج ولا هدف له إلا الاستمرار في عرقلة التفاوض وبهذا كله تهدف اثيوبيا سعياً وراء فرض سياسات الأمر الواقع التي لا تخدم قضايا حسن الجوار وأمن واستقرار الإقليم والقارة، غير العلاقات المتينة التي تربط شعبي البلدين أزلياً. وقال: من الأفضل لإثيوبيا ولخدمة مصالحها وخياراتها في الحاضر والمستقبل وفيما يرتبط بعلاقاتها مع كل دول وشعوب المنطقة، أن تسعى للعمل المشترك القائم على المصالح المشتركة، كما أوضحته الخارجية السودانية في بيانها أمس الأول، وألا تنشط دبلوماسياً في محاولات الهروب من مشاكلها الداخلية بخلق عداوات تختلقها مع السودان أو غيره من دول القارة، وأن تعمل مع السودان وغيره للاتفاق على الأطر القانونية المؤسسة لهذه المصالح والمؤمنة لاستدامتها.

تقرير-عبد الله عبد الرحيم
صحيفة الصيحة