•••
• الحقاني الشهيد الإمام الصادق المهدي له وصفٌ دقيق، في أدبياته المختلفة، حين يصف إسرائيل، كان يقول إنها دولةٌ (غير طبيعية) ! ويقصد أنها لا نشأت، ولا تطورت مثلما تنشأ الدول الطبيعية وتتطور، ولا عاشت كما تعيش بقية الدول فتخالط، وتتخالط، وتعيش، وتتعايش !!..
بهذا الفهم، فإنَّ من يريد أن يراعي هذا الإرث الأخلاقي العظيم للإمام الصادق المهدي من حزب الأمة القومي فعليه ألَّا يكون (طبيعياً) مع إسرائيل مهما فعل وفعلت، حتى تكف عن فعل كل ما من شأنه أن يجعلها (غير طبيعية)..أي أن تعترف بالفلسطينيين وأرضهم، وترد كافة الحقوق العربية المغتصبة، وتحترم المجتمع الدولي وتحترم قراراته، وتقبل أن تتعايش كما تتعايش بقية الدول الطبيعية مع جيرانها ومع العالم (طبعاً كوووول هذا ضمن قبولها المبادرة العربية التي قبلت بمبدأ تعايش الدولتين) !
• السؤال المهم الآن: هل مُنتظر، في أي وقتٍ من الأوقات، أن تكون إسرائيل دولةً طبيعية ؟!
والسؤال الذي يليه: هل حزبُ الأمة القومي، والحال كذلك، كله على قلب رجلٍ واحد، أو إمرأةٍ واحدة لا فرق، وأن هذا موقفه الموحَّد من العلاقة مع إسرائيل، وأنه لن يقربها أو يتقارب معها، لا من قريبٍ أو بعيد حتى (ترعوي) وتعود إلى الحق، وتنصف الفلسطينيين، وترُد الحقوق إلى أصحابها ؟!
ثم إن السؤال الأهم على الإطلاق هو: لماذا إسرائيل هذه بالذات، ومن بين عشرات الدول الأخرى التي لا يقيم السودان علاقات معها، لماذا العلاقة مع إسرائيل هذه بالذات هي التي تعمل (أم كرنق كرنق) للناس، ولحزب الأمة، وللحكومة في هذا الوقت بالذات ؟!!
الإجابة على (كووول) هذه الأسئلة العسيرة هي واحدة: عشان تنصلح علاقاتنا مع أمريكا وما أدراك ما أمريكا ومن ثم تنصلح مع العالم !!
• من سوء حظ حكومة السودان الإنتقالية أنها جاءت ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية كان رجلاً (أرعناً لَطْخاً) إسمه ترامب..وكان لترامب هذا سياسةٌ غريبة، ومحيّرة، وغامضة مع روسيا ومع إسرائيل..
ما يهمنا هنا هو علاقته بإسرائيل إذ، ولأسباب محيرة وغامضة، وغير منطقية قال ترامب للحكومة الإنتقالية أنكم إذا أردتم علاقات جيدة معنا، ومع العالم ترتيباً، وإذا رغبتم في رضائنا لتندمجوا من جديد في المجتمع الدولي، فلا بأس، ولكن بشرط واحد هو أن تقيموا علاقات مع إسرائيل وتعلنوها.. نقطة سطر جديد !!
إذن، ومن الآخر كدة، فإن العلاقة مع إسرائيل، بغض النظر عن جدواها، أو منطقيتها، أو أهميتها للسودان، ولكنها هي ضمن باقة كاملة (package) قبلت الحكومة بها مضطرة، وهي لا تتجزأ، ولا تتبعَّض، وليست قابلة للمناقشة، أو التقسيط !! ولقد أوفت الولايات المتحدة الأمريكية بما يليها من هذه الباقة المتفق عليها، وعلى السودان أن يفي بما يليه منها، نقطة سطر جديد !!
وهكذا.. إذا رجعنا لحزب الأمة القومي:
فهو يريد المشاركة في هذه الحكومة نظراً لمسؤولياته التاريخية، وفي نفس الوقت (كمان) باقية ليهو (حااااارة) أن يكون ثمن المشاركة في الحكومة ‹مباشرة شكل من أشكال التعامل مع إسرائيل، خاصةً وأن وزيرة الخارجية هي مريم الصادق المهدي› !!
هو إذن يريد أن يكون ‹وفياً› لإرث الحقاني الشهيد، وفي نفس الوقت يريد الإشتراك في الحكومة التي ‹أُضطرت› إضطراراً للتقارب مع إسرائيل، وهكذا وجد حزب الأمة القومي نفسه في وضع ‹دا حار ودا ما بتكوي بيهو› !!
رأيي البسيط المتواضع هو: أن يظل حزب الأمة القومي في الحكومة مثلما هو الحال الآن، لكن، ولكونه في حكومة إنتقالية، وضعتها الأقدار في ظروف غاية في الدقة والحرج، وربما يتهدد فيها وجود السودان نفسه كدولة، فإنه لا مانع، وكلما جاء موضوع إسرائيل (ناطي) أن يسجل حزبُ الأمـةِ القومي موقفه الرافض لهذه العلاقة لتثبيت الموقف وتسجيله، وأن ننتظر الإنتخابات والبرلمان المنتخب، وعندئذٍ فإن كل شئ أبرمته الحكومة الإنتقالية سيكون قابلاً للمراجعة، أو الإلغاء، أو التعديل ..
•••
د. بشير إدريس محمدزين
صحيفة السوداني