—————–
لم يبرع فقط في علم الطب الشرعي ..
بل كان محاضراً و(حاضراً) متفرداً في كيفية نثر المعلومة و(تشريح) قضايا وطنه بأسلوبه السهل الممتنع ..
يستطيع أن يعطي المتلقي كل ما يريده .. ويحكي عن شؤون وشجون ومشاكل وأمنيات الكادحين والصابرين بكلمات صادقة قوية ..
ولهذا نجح في طرح وصياغة أصعب و(أقسى) الأزمات في كلمات سهلة (الهضم) .. قوية المعنى .. جميلة و(ظريفة) المنظر !!..
هذا النموذج المعطون بحب بلده توفر في الراحل الرائع دكتور علي الكوباني الذي افتقدناه في خواتيم العشر الأوائل من شهر التوبة والغفران ..
صاحب العلامة المميزة في النقد الساخر (اللذيذ) !! ..
قائد كتيبة (الدكاترة) الذين يفرضون وجودهم بين العامة بدماثة خلقهم .. و(الشياكة) في المعاملة والبشاشة في اللقاء ..
خاصة عندما يلتقيك بحروفه الممزوجة بكل ما هو (حلو) رغم (المرارة) التي تأتي أحياناً بين ثناياها !!..
ورغم قصر مقاله الشهير (حباً و كرامة) إلا أنه كان بحق حباً و كرامة ..
كلمات قليلة .. لكنها قوية .. ناقدة .. رشيقة .. نافذة كالسهم .. تصيب في الصميم .. صميم آمال وآلام السودان و شعبه ..
تفوق عبقري الطب الشرعي الراحل في هذا النوع من الكتابة رغم انه (الأصعب) ..
و من المؤكد انه سيترك فراغاً كبيراً في قلوب المحبين ..
خااااااااصة (الغبش) !!..
وكأن حياته التي بدأها بالتشريح و الحب وكل (الكرامة) ان شاء الله سبحانه أن تنتهي بكتابته عن معاناته مع مرضه و(توديعه) للجميع و(وصيته) لأفراد الأجهزة الأمنية والعدلية بضرورة الرفق ب(الرعية) و معاملتهم بصورة إنسانية ..
كان الرجل محباً للناس .. وصديقاً للكل (بدون فرز) .. لا تفارق الإبتسامة وجهه مهما كانت درجة آلامه .. ولا (يشبع) من يعرفه من الحديث معه أو متابعة مقالاته المدهشة ..
غرّد قبل فترة مناجياً ربه قائلاً :
ربي الكريم ..
يا من اقسمت بالضحى..
والليل اذا سَجَى..
صلي على الحبيب المصطفى.. الكسيتو ضيّ نوّر الظُلمات والدُجَى..
واكرمنا بشفعاتو يوم اللِقا..
واجعلنا في زمرة من نَجَا..
ندعوك بالاسم العظيم والخِفا..
ترحم الفي حَوَاك ختا الرَجَا..
واغفر لنا واحبابنا وكل قلب صادق صِفا ..
أحسن الظن في رحمتك والمرتجى ..
يا الله جبرك وحلمك ولطفك الخفي ..
واليك وحدك يا ربي المُلتَجا ..
هذا هو الكوباني المتبتل .. الزاهد .. صافي السريرة .. جميل الروح الذي كتب عن الحب والتصوف والأرض والوطن ..
لم نجد يوماً من يقول انه على خلاف معه أو (زعلان) منه ..
لهذا فإن خسارتنا كبيرة .. لكنها إرادة الحي الذي لا يموت ..
ولا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة والمغفرة وحسن المآب ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
صحيفة الانتباهة