لم يعُدْ سرّاً، ولا خافياً أنَّ هناك نيّةً مكينةً لدى الحكومة والحاضنة السياسيّة في تأجيل الانتخابات أو إلغائها، مرّةً واحدة. نقلتْ تصريحاتٌ صحفيّة أنَّ القياديَّ بالحزب الشيوعيّ محمود صالح قال إنَّ هناك موانع. وتعبير “موانع” هو من عندي، وليس في أصل التصريح. فقد قال إنَّ الأوضاع المتدهورة في دارفور، جبال النّوبة، والنّيل الأزرق تجعلُ من العسير إجراء انتخاباتٍ تكون نتيجتها برلماناً قوميّاً. مما يعني أنَّ على الجميع الموافقة على تأجيل الانتخابات حتّى يتحسّن “التدهور” في المناطق المذكورة، لنحصل على برلمانٍ قومي، وبالتّالي فإنَّ مسكوت التصريح هو: أنَّ الوضع سيظل كما هو، ربّما نجري بعض الإصلاحات، لكنْ لن يكون هناك ما يشفي صدور المُنتظرين للشرعية الانتخابية.
ذاتُ “التدهور” هو ما سيجعلُ المجلس التشريعيّ الانتقاليّ، المؤجّل تشكيلُه، عسيراً، لأنّه لن يحقّق “القوميّة” المطلوبة. ويمكنُ الاستعاضة عنه – في الوقت الرّاهن – بمجلسيْ السيادة والوزراء، الذي يجري تعريف اجتماعهما المشترك بـ”المجلس التشريعي المصغّر”. لكنْ لو سأل شخصٌ ما، ناطقَ الحزب الشيوعي، والقياديّ به، عن هذا التدهور الذي سيعيق تحقيق البرلمان القوميّ، ومتى وكيف ينتهي، وما هي أدوات قياس اللا تدهور المؤهّلة للانتخابات، سيجدُ الإجابة التأريخيّة الغارقة في التلاعب السياسيّ “حتّى تنتهي آثار الحرب، ويعود كلُّ اللاجئين والنّازحين إلى مناطقهم”.
حسناً… من كلّ مساحة جنوب كردفان، وليس كردفان كلّها، لا تشكّل “المناطق المحرّرة” التي يسيطرُ عليها عبد العزيز الحلو إلّا 3%. ومن كلّ مساحة إقليم دارفور، لا تشكّل مناطق عبد الواحد محمّد نور إلّا 2%، بمعنى أنَّ المنطق الذي بموجبه يتمُّ تأجيل الانتخابات هو تغليب الطارئ على العادي والطبيعي، النّظر إلى مصالح الأقليّة، عِوَضاً عن إرادة الأغلبية، تعميم الشاذ والقياس عليه، بدلاً من اجتراح رؤى وحلول تتعامل مع المناطق المتعذّر إجراء انتخاباتٍ فيها وفقاً لشروطها الظّرفيّة، وهي – قطعاً – تأسيساتٍ خارجة عن المنطق الرّصين، ومنحازةٌ بشكلٍ سافر إلى تسفيه إرادة الأغلبية والاستمرار في سرقة رغباتها.
يمكنُ إجراء الانتخابات، وفقاً للفترة المنصوص عليها، عقب تكوين مفوضيتها، وضع قانونها واستيفاء استحقاقاتها، في المناطق التي لا تشهد “تدهوراً”، وهي بقية أجزاء السُّودان، فيما يتمُّ تأجيل إجرائها في “المناطق المحرّرة”، حتّى يُعَادَ استعمارُها، مرّةً أخرى، بواسطة حكومة السُّودان، التي ستكونُ – خلال هذه الفترة – منشغلةً بتحقيق السّلام مع عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو، هذا إذا لم يكنْ من ضمن شروطهما، تمديد أجل الفترة الانتقاليّة، لتبدأ من تأريخ التوقيع، والذي سيكون في الغالب في الأوّل من يناير 2025م.
على أيّة حالٍ، يبدو أنَّ كلَّ المخاوف هي حرثٌ في البحر. إذْ لا تُشيرُ تصريحاتُ القياداتُ الحزبيّة المشكّلة للحاضنة السياسيّة للحكومة الانتقاليّة إلى أيّ نيّة قريبة، أو بعيدةٍ، في وضع أسس الانتقال السلس نحو استكمال عملية التحوّل الدّيمقراطي. كما لا يظهرُ من مسار الحكومة المتثاقل في كلّ شئ، أيّ خطوات باتجاه إثبات أنَّ الانتخابات أولويةً، بأيّ حال من الأحوال. مثلها مثل مسألة المجلس التشريعي الانتقالي، فهي – بطرقةٍ أو أخرى – ستكونُ مهدّداً من مهدّدات استمرار الحكومة الانتقاليّة، التي وضح أنّها وضعتِ السُّودان في مساراتٍ مختلفةٍ، لا تستطيعُ إلّا أنْ تستكملها، كحكومةٍ منتخبة، وليستْ انتقاليّة، بحال.
صحيفة الصيحة