رحيل مفاجيء للرئيس التشادي ادريس دبي ، قد يربك المشهد السياسي والأمني ، ويجعل الجيش يعيد حسابته اكثر من مرة ، فوجود الرئيس ادريس دبي على سدة الحكم لما يقارب الأربعين عاماً ، يجعل الامور اكثر تعقيداً ، فليس من السهل ان تعود الاشياء كما هي بين ليلة وضحاها ، هذا ليس بالنسبة لتشاد وحسب ولكن للأمور انعكاساتها على الواقع الأمني السوداني ، وأعلن الجيش التشادي أمس على التلفزيون الرسمي أن الرئيس إدريس ديبي توفى على إثر اشتباكات مع متمردين في شمالي البلاد مطلع الأسبوع.
ورحيل دبي حدث في ذات اليوم الذي أظهرت النتائج المؤقتة للانتخابات، أن ديبي حصل على الفوز بفترة رئاسة سادسة، بحصوله على 80 في المائة من الأصوات.
وأدت وفاة ديبي إلى حل الحكومة والبرلمان، على أن يحكم مجلس عسكري البلاد لمدة 18 شهراً، بقيادة نجله الجنرال محمد إدريس ديبي إينتو، البالغ من العمر 37 عاماً
وديبي هو واحد من الرؤساء الأفارقة الذين سيطروا على الحكم لعقود من الزمان ، كانت تجمعه علاقات متأرجحة بنظام المخلوع مبنية على جرف هار من الثقة ، فالرجل كان يتهم الخرطوم بإيواء المعارضة التشادية ودعمها وبالمقابل كانت تنظر الحكومة لدبي انه طرف اصيل في الحرب المشتعلة في دارفور وقتها ، لذلك كل ماتتسم العلائق بين البلدين بحالة من الهدوء والود حتى تعود الى الجفاء والقطيعة وأحياناً الاضطراب.
وكان موقف ادريس دبي من الثورة السودانية، موقفاً رماديا باهتاً، كطبيعة كل حكم ديكتاتوري ، تهز عرشه ثورات الشعب وهتافات التغيير ، فثورة السودان جعلت دبي يتحسس عرشه اكثر من مرة ، لذلك كان الرجل ينظر الى الثورة السودانية كخطر كبير لايهدد عرش البشير فقط وإنما عرشه أيضاً لأنه كان واثقاً من ان رياح التغيير الشرقية التي هبت في السودان قد تتحول الى تشاد وان الشباب التشاديين ربما يتعلموا دروساً سودانية حية يلقنها لهم شباب السودان عبر ثورة أصبحت حديث العالم أجمع لذلك اول ماقام به ادريس ديبي هو قطع الانترنت لأكثر من عام ، كخطوة معهودة يقوم بها الرؤساء عندما ترتجف عروشهم وهي محاولة لإغلاق منافذ الوعي حتى لا تكون السوشيال ميديا مورداً له من الخرطوم الى أنجمينا.
كما ان ادريس ديبي وبعد زوال البشير ومجيء الحكومة الانتقالية الى سدة الحكم تزعجه دائما الاصوات المطالبة بطرد مليشيات الدعم السريع ويتخوف من اشتعال ثورة شباب أخرى ضد حميدتي فبقاء محمد حمدان دقلو قائد هذه القوات على مقعد رفيع بمجلس السيادة ، أمراً يريده دبي ويسعى الى استمراره لطالما انه يجعله يطمئن فكلما كان حميدتي شريكاً في الحكم في الخرطوم ستظل قواته بعيداً عن الحدود بالتالي لن تتأثر أنجمينا بتواجد الدعم السريع على تخوم تشاد حيث تكمن مخاوف دبي انه وان انتقلت قوات حميدتي الى الحدود لن يتم التفريق بينها وبين القبائل التشادية القابعة في الحدود، كما انه يخشى ان يحدث تحالف بين حميدتي وبين رئيس اركانه بشارة عيسى جاد الله ابن عم حميدتي وان أكثر مايخشاه دبي هو القبائل المشتركة بين السودان وتشاد حيث ان أشرس القبائل التي تضم اعداء دبي هي من اشهر القبائل السودانية في غرب السودان.
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت دبي يقف بعيدا عن دعم الثورة السودانية ربما ليس حباً في المخلوع ورغبة في استمرار حكمه ولكنه خوفا من ان يزول نظامه وينهار على الطريقة السودانية.
ولكن ماهو أهم من ذلك ان موت دبي ربما يكون اكثر من مجرد رحيل وان ثمة آثار سلبية تنعكس على السودان بعد رحيله ، فالحكومة لابد ان تنتبه لهذا التحول الذي ربما يكون له آثاره الأمنية السريعة والمباشرة في زعزعة الامن والاستقرار بالبلاد لاسيما في اقليم دارفور، فالمليشيات الشرسة التي وصلت الى عرش ادريس دبي واردته قتيلاً ليس صعبا عليها الوصول الي السودان ، لذلك ان اخطر مايواجه الجيش في الايام القادمة هو الحدود مع دولة تشاد والتمدد القبلي والمشترك بين البلدين ، فرحيل دبي ريما لم يكون حدثا داخلياً، السودان ربما يعاني ذات الشئ الذي تعانيه تشاد لذلك يجب على الجيش والقوات المسلحة الانتباه ، فتوقيع أيادي تشادية على مسرح احداث الجنينة ربما يكون أكبر من كونه اتهامات .
طيف أخير:
عندما تتخطى مرحلة صعبة مِن حياتك، أكمل الحياة كَناجٍ وليس كَضحية
***********
صباح محمد الحسن
صحيفة الجريدة