فى البداية.. نعم اتفق مع حديث البرهان فيما اسماه بسلحفائية العلاقات السودانية الأمريكية.. لكن لا بد من القول ان هذا البطء له مسوقاته القانونية من وجهة النظر الأمريكية… فالمصفوفة التى اشار اليها البرهان مدرجة فى التشريع الأمريكي المعروف بقانون دعم التحول الديمقراطي في السودان و المحاسبة و الشفافية المالية.. يحتوى على ١٦ بندا تخص مسار العلاقات بين البلدين آنيا و لا حقا… فامريكا دولة مؤسسات لا تعمل بحكاية رزق اليوم باليوم…… الخ..
فبعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة و وضعت مصفوفه هى بمثابة خارطة طريق عبر خطوات ممرحلة لتدرج علاقاتها مع الخرطوم وصولا للتطبيع الكامل هذه المصفوفة تم وضعها وفقا للتشريع الامريكى آنف الذكر و الذى اجازه الكنغرس الأمريكي بغرفتيه و بإجماع الحزبين الديمقراطي و الجمهوري و يؤطر لسياسة الولايات المتحدة تجاه السودان… و هذه المنصفوفه ليست بالعصا او جزرة كما كانت تتعامل واشنطن مع النظام البائد انما خارطة طريق متكاملة يحب على الخرطوم اخذها او تركها… Take it or leave it.. وقد ابتدرت واشللخطوات الايجابية التى اتخذتها واشنطن خطوات إيجابية مع الحكومة الإنتقالية بترفيع التمثيل الدبلوماسى الى درجة السفير و رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب و منح السودان الحصانه السيادية.. التى تحصنه من اى مساءلة جنائية مستقبلا بخلاف ما تم الإبقاء عليه بموجب ما يسمى بقانون مطالبة السودان و الذى يخص تعويضات اسر ضحايا البرجين و هي قضية مرفوعة امام محكمة فى نيويورك منذ عدة سنوات مع دول أخرى على رأسها السعودية.. و قد تستغرق عشرات السنين… و قد اعادت تلك الخطوات بالايجابية السودان للعالم بعد عزلة امتدت لثلاثة عقود و عبرها عاد السودان للمجتمع الدولى و مؤسساته المالية المانحة متعددة الاطراف فضلا عن المنح الملياريه التى دفعتها واشنطن للسودان حتى يصبح قادرا للتعامل مع المؤسسات المالية و بالتالى تحفيز المساعى الدولية لاعفاء ديونه الخارجية.. و قد توجت هذه الخطوات بالاتصالات التى جمعت المسئولين السودانيين مع وكالة التنمية الدولية و تقديم منحه تقدر ب 2 و نصف مليار دولار لاستعادة حركة التنمية فضلا عن ابداء عدد من الشركات الامريكية الرغبة للاستثمار فى السودان خاصة في المجال الزراعي… لكن لا بد من الإشارة إلى أن استكمال خطوات المصفوفه من قبل واشنطن مرتبط لحد كبير بخطوات التدرج نحو مدنية الدولة فى السودان وفقا لما نص عليه قانون دعم التحول الديمقراطي في السودان الذى ذكر فى عدد من بنوده الوثيقة الدستورية التى تنص على المضي قدما في مدينة الدولة و بصفة خاصة الى ايلولة رئاسة الدولة من المكون العسكري الى المكون المدنى..بل ان القانون الأمريكي نص على ان التطبيع الكامل لعلاقات السودان مع المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف العشرة المذكورة في القانون رهين بشهادة يقدمها الرئيس الأميركي الى الكنغرس تؤكد على التزام الحكومة الانتقالية بمدينة الدولة.. و الشفافية و المحاسبة المالية.. اضف الى ذلك بجانب هذه المصفوفة. هنالك ايضا عامل اخر يتحكم فى اكتمال تطبيع العلاقات هو التطبيع الكامل مع اسرائيل.. بحيث كلما حدث تقدم فى المصفوفه الاولى و الثانية الخاصه بالتطبيع مع تل ابيب كلما مضت خطوات علاقات التقارب مع واشنطن و مؤسسات التمويل العالمية .و لفت المقلى ايضا الى اهمية اكمال عمليات الاصلاح المتعلقة بالنظام المصرفى و الاسثمار و اجراء تعديلات على قانون الاستثمار لافتا الى ان روؤس الاموال الاجنبية مربوط دخولها باجراء تلك الاصلاحات . ملف التطبيع تسوده الكثير من الضبابية و عدم الرؤية لدى صانع القرار في الحكومة الانتقالية… و قد اشار الرئيس البرهان الى انه قد فى الآونة الأخيرة عدة زيارات لوفود رسمية إسرائيل و اهمها الزيارة التي كانت برئاسة وزير الامن الإسرائيلي… و اكد البرهان الى ان هذه الزيارات كانت كلها ذات طابع امنى و استخباراتى.. لكنه ربما نسى ان وزير الخزانة الأمريكي لم يوقع اتفاقية أبراهام مع الامن او مع الجيش و انما الذي وقع انابة عن الحكومة الانتقالية هو السيد وزير العدل.. و ما لفت الأنظار يومها ان التوقيع تم بالسفارة الأمريكية فى غياب الطرف الاول المعنى بالاتفاق.. اى إسرائيل ؟؟؟!! و قد صرح وزير العدل و وزير الاعلام وقتها ان هذا التوقيع يمهد للتطبيع مع إسرائيل و اقامة علاقات تعاون معها… مما يدل على ان الحكومة الانتقالية تمضي قدما في مسار التطبيع… لكن لا بد من الإشارة الى ان ما تم هو ليس اتفاق و انما هو اعلان مبادئ.. يمهد الطريق إلى تطبيع كامل.. و لا بد من التأكيد فى هذا المقام.. ان اى زيارات متبادلة او توقيع اى نوع من الاتفاق مع إسرائيل يكون بمثابة خطآ اجرائي.. لا يستند على اى شرعية محلية او دولية فيما ارى.. و ارجو ان اصحح ان اخطأت… فالسودان اساسا ليس له اى نوع من العلاقات مع إسرائيل حتى يعمل على تطبيعها.. فهو فى حالة حرب مع إسرائيل منذ عام ١٩٦٧ وذ قمة اللاآت الثلاث. و قد أخرجت كلمة التطبيع من سياقها… فلا بد اولا للدولة ات تعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل كما فعلت الدول العربية الأخرى.. و هو الامر الذى لم يحدث حتى اللحظة… و من المصادقة على الاتفاقية من قبل الجهاز التشريعي في البلاد.. ثم من بعد ذلك اتفاقية اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين و الدخول في مرحلة التعاون الثنائي…
نعم حققت الحكومة الانتقالية اختراقات فيما يتعلق بملفى السلام و العلاقات الخارجية.. وضغت الحرب اوزارها و صار اهم قيادات حاملى السلاح في وجه النظام البائد شركاء في الحكم… رغم ان عملية بناء السلام.. التى هى اكثر كلفة من الحرب.. امامها تحديات جسام فضلا عن الامل الذى يحدو الجميع فى ان ينضم بقيمة الممانعين الى ركب السلام… و لعل التفلتات الأمنية التي تحدث فى بعض اطراف البلاد و خاصة إقليم دارفور هى نتاج طبيعي للتلكؤ و السلحفائفية التى تصاحب انفاذ ملف الترتيبات الأمنية… و قد تحدث البرهان عن صبر الشعب السوداني فى وجه غلاء المعيشة و هو من اهم إخفاقات الفترة الانتقالية… بالرغم من التحسن الكبير الذى طرا على استقرار التيار الكهربائي و الخبز و الإمدادات البترولية… و لعل القصور قد شاب مسألة ترشيد الانفاق الحكومي.. و من الملاحظ تكرار بعض ممارسات النظام البائد خاصة الترهل فى الوفود الخارجية و بصفة خاصة حكاية مشاركة المسؤولين فى مراسم تنصيب رؤساء دول بعضها ليس له اى وزن اقليمى او دولى او حنى علاقات اقتصادية معها على سبيل المثال لا الحصر النيجر.. جزر القمر و الكتغو برازافيل….فلا بد ان تولى الحكومة اهمية لترشيد الإنفاق..
و لا بد من إكمال هياكل الحكم خاصة تشكيل المفوضيات… المجلس التشريعي.. المحكمة الدستورية و تعيين الولاء.. و أحداث إصلاحات على صعيد الأجهزة الأمنية و النظم المصرفية لكى تواكب المستجدات على ضوء تطبيع السودان لعلاقاته مع المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف.. و قوانين جاذبة للاستثمار تشجع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية
صحيفة الانتباهة