أحمد يوسف التاي يكتب: لجنة التفكيك… آلية القمع والاستبداد

(1)
كنا نعتقد حتى وقت قريب أن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو هي أهم الثمار الحلوة التي انتجتها الثورة ذلك لأنها وجهت كل جهدها لكشف حجم فساد النظام المخلوع، وقد وجدت هذه اللجنة ارتياحاً وتأييداً في أوساط الشارع السوداني حتى بدت مؤتمراتها في كل يوم خميس أشبه بالمهرجان والمناسبة العظيمة التي يحرص الناس على حضورها ومتابعتها… كانت لجنة تفكيك «التمكين» أهم لجان الثورة لكونها معنية بكشف فساد نظام المؤتمر الوطني ولأن الفساد كان هو العنوان الأبرز في نظام «الإنقاذ» ومن هنا اكتسبت اللجنة أهميتها وجاذبيتها وهو ما أصاب كثير من أعضائها بالغرور والطغيان السلطوي..
(2)
من خلال المتابعة والمراقبة والملاحظة تبين لنا أن أكبر خطأ منذ تكوين اللجنة هو عملية اختيار بعض أعضائها المؤثرين، والحق أن اختيار صلاح مناع بجنوحه إلى الفجور في الخصومة والميل إلى التشفي في موقع كهذا كان خطأً كبيراً، كما كان الحال في اختيار وجدي صالح الذي كان كثيراً ما تُخرجه الحاجة إلى الانتقام من الوقار الذي كان يجب أن يتحلى به كعضو أهم لجنة قانونية وهو في موضع القاضي بهاءً ووقاراً ورزانة إذ كانت تأتي تصريحاته خالية من الوقار مثل عبارات «صامولة صامولة»، و» أن الأيام المقبلة ستشهد فتح بيوت للبكاء لعناصر النظام البائد»، وكما كان الحال في اختيار محمد الفكي صاحب عبارة «سيصرخون»… كل هذه العبارات ما كانوا يحتاجونها أبداً لأنهم يمثلون لجنة هي بمثابة لجنة قضائية ينبغي أن تفرض احترامها على الجميع.. وهكذا القى أعضاء اللجنة المهمين باسقاطاتهم على اللجنة فسلبوا منها أهم صفة وهي «وقار القاضي» والحياد وصبغة القانون فاستسلموا لزخائم النفس فأظهروا التشفي والبغض والكراهية والتهديد للمتهم قبل أن يستنفد إجراءات التقاضي وحقه في الاستئناف.. تخيّل أن قاضياً يهدد متهماً بالويل والثبور وعظائم الأمور أو يهدده بالإعدام قبل أن تبدأ إجراءات الجلسة والسماع إلى مرافعاته ودفوعاته… هذا ما يشبه بالضبط تهديدات وجدي: (الأيام المقبلة ستشهد فتح بيوت للبكاء لعناصر النظام البائد)… في رأيي هذه أكبر إساءة لثورة (حرية سلام وعدالة)…
(3)
ومن خلال المتابعة أيضاً تبين لنا أن اللجنة بدت متهورة ومتعجلة للإدانة قبل استكمال تحرياتها والتدقيق في المعلومات التي بحوزتها مما أضطرها للتراجع والمراجعة والاعتذار تارةً… هذا التهور والاستعجال يعني ضعف اللجنة وقلة خبراتها ، وهو ما قادها للوقوع في كثير من الأخطاء القانونية … ونسبة للصلاحيات الواسعة التي اعطيت لها تحولت اللجنة إلى دولة داخل دولة تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب تعتقل وتنكل بخصومها السياسيين، ولهذا تحولت اللجنة إلى آلية للقمع والتسلط وهذا ما يتقاطع ويتنافى تماماً مع شعارات الثورة وأهدافها … وهي الآن بدت أشبه بصلاحيات جهاز أمن البشير قبل 11 أبريل 2019.. وحتى الفبركة ذاتها تشبه فبركة جهاز أمن البشير: (تحصلنا على معلومات بوجود خلية من الضباط تنوي عمل تفجير) وذلك لتبرير اعتقال شباب الإفطار الجماعي بساحة الحرية… نفس الملامح والشبه والمشية ذاتا وقدلتو…
(4)
في اعتقادي أن لجنة التفكيك أساءت كثيراً للثورة وشعاراتها وأهدافها حيث وضعت في يدها كل الصلاحيات وأمسكت بـ»الكرباج» خاصة بعد التعديلات التي أجرتها على قانونها فأصبحت معبرة عن الشمولية والدكتاتورية والاستبداد وهي بذلك اصبحت عبارة عن جهاز أمن باطش في دولة بوليسية أبعد من شعارات الثورة (حرية سلام وعدالة)….. صحيح أن اللجنة ظلت ولا تزال مستهدفة من قبل عناصر النظام المخلوع الذين حامت حولهم شبهات فساد والذين تمت مصادرة بعض ممتلكاتهم، لكن في ظني أن اللجنة هي التي ساعدتهم على استهدافها بممارساتها الديكتاتورية وبخروجها من الوقار وبكثير من أخطائها فلتتحمل نتائج صنيعها ..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version