(1)
كنا ثلاثة .. ورابعنا (وردي) بحزنه القديم… ينثر فينا (الود) الخرافي… ما اجتمعنا قط وإلا كانت إحدى أغنياته موضوع نقاشنا الرئيس… تطيبنا يوماً بـ(جميلة ومستحيلة)… وجعلناها (عطراً)… وتداوينا بـ(بناديها) وجعلناها (دواءً).
أوقدنا (بعد إيه) شموعاً… كانت تمثل فينا العزة … والشموخ والكرامة.
في تلك الاغنية كان هناك اعلان للتحرر من الحبيب… وانتفاضة عليه.
ثقافاتنا كانت تصل اقصى مراحلها تشبثاً بـ(يجيني زمن امتع نفسي بالدهشة)… وكانت ابعد مرامي حضاراتنا تقف عند (كل عيون بتتقابل إلا عينيك ما بتنفات).
وما بين كل هذا كنا نسعى (ربيعاً) في جداول اغنيته (يا بلدي يا حبوب).
نثور ونضج… ونتمدد (نخيلاً) في (تدي النخلة طولا والغابات طبولا).
لم تكن امالنا وطموحنا اكثر من (إنت تلقى مرادك والفي نيتك).
هذا كل املنا في الدنيا… لكن املنا كان في رحاب وطن لا حدود له.
(2)
نحن من جيل تداوى باغنياته… تسمع صرخة (الجنين) عند الوضع (لو بهمسة) هكذا ثبوتاً (خوفي منك .. خوفي تنساني وتنسى الليالي) خلافاً لكل العادات واللوجستيات الطبية… لم اجد قط في تضاريس العواطف والتهاباتها (خوفاً) كهذا اجمل من (الشجاعة) نفسها. فان اصبح الجنين (وليداً) كانت (يا اعز
الناس) تحفل بين الناس فرحاً… وربما قبل ذلك وهو في بطن امه يتغذى عبر الحبل السري بـ (الود) عطفاً وتواصلاً… (زمان كنا بنشيل الود وندي الود وفي عينينا كان وفي عينينا كان يكبر حناناً زاد وفات الحد).
حتى اذا اصبح الجنين (صبياً) كان صباه يرتكز على (نور العين) وهو يسعى حبواً بين اقدام والديه… الى ان يصير (غلاماً) يرتع فى قوافي (المستحيل) شقاوة مع اترابه (لو بيدي كنت طوعت المحال).. يهدم هذا ويكسر ذاك.. فيضحى (يافعاً) يشدو مع (الطير المهاجر) (بالله يا طير قبل ما تشرب تمر على
بيت صغير).
كسرنا (أسناناً) بهذه الاغنيات… وكان عندما نرمي (سن الحمار) ونطالب بـ (سن الغزال) نغني (الليلة يا سمراء) و(القمر بوبا)… كان هذا افضل (عوض) لنا.
من بعد يصبح اليافع (حزوّراً) متشبثاً بـ (لو بالصد ابيتني)… فـ(قمد) بـ (بيني وبينك والايام).. ليتقوى عندما يصبح (عنطنط).. شاباً بـ(الحنين يا فؤادي).. فيبلغ الأربعين (مملاً) بـ(عذبني وزيد عذابي) فان صار (كهلاً) كان (الحزن القديم) هو رفيقه وهو في الخمسين. (فيشيخ) بـ(خاف من الله)… ثم (يهرم) بـ
(سواة العاصفة في ساق الشتيل الني).
عندها نعود جبراً الى (توعدنا وتبخل بالصورة)… (وجميلة ومستحيلة)…. (ومرة افرح ومرة اسرح ومرة تغلبني القراية لما اكتب لك وداعاً).
هذا هو وردي يتبعنا في كل مراحل حياتنا… رفقة وصحبة يدخل في (كيف) شاي الصباح.. ويتغلل في رائحة قهوة المقيل… يشارك نخيل الشمال سموه ورفعته وابنوس الجنوب شموخه.
في كل تفاصيلنا الخاصة… افراحنا واتراحنا… يجلس وردي هناك وحيداً في افئدتنا… ونحن ننقز ونعرض بـ(سواة العاصفة في ساق الشتيل الني).
(3)
هكذا يتبعنا في كل خطواتنا يدخل في مناهجنا الدراسية (عاطفة)… كم كنا نحمل مقاطعه عنواناً لنا في دفاتر المحاضرات.. وكراسات الدروس وكانت (قلت ارحل) تنافس نظرية نيوتن في الجاذبية…. وكانت اغنيته (اقابلك) ترافق نظرية (فيثاغورس) بحسابات المقابلة والشوف والممكن والمستحيل. وردي كان
بيننا هكذا يدخل غرف دواخلنا كما يفعل شفع العيد بلا استذان… يدخل فصول طلابنا… كفى اننا في كل ذكرى للاستقلال نغني (تعريفته)… (اليوم نرفع راية استقلالنا).
لم نجد افضل من (وردي) ليعبر عنا وليتحدث عن (وطن) بحضرة جلالك يطيب الجلوس.
(3)
بغم /
عندما (نقرف) من السياسة… نعود الى وردي لنخرج منه بهذا الصباح.
صحيفة الانتباهة