ظلت الساحة السياسية في جدل حيال المحكمة الجنائية الدولية، مُنذ إصدارها مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق البشير وعدد من كبار معاونيه، حيث تتهمهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور؛ لا يعود الجدل بشكل أكثر كثافة عقب تناول رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مقابلة له، قضية تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقال؛ إن “الجنائية الدولية لم تطلب ترحيل الرئيس السابق عمر البشير، وإنما محاكمته”.
وأوضح في مقابلة له مع
قناة “الحدث”، أن الجنائية “لا تعارض محاكمة البشير في السودان، أو أي مكان آخر يُتفق عليه”.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت ما بين 2007 و2012 مذكرات اعتقال بحق مسؤولين سودانيين على رأسهم عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
تعاظم جدل تسليم المخلوع مع انتصار الثورة وبدء مباحثات السلام مع الحركات المسلحة التي نجحت في توقيع اتفاق أقر تسليم المطلوبين إلى (الجنائية).
وعلى الرغم من أن الاتفاق الموقع في 3 أكتوبر 2020م لم يُحدد وقتًا معينًا لتسليم المطلوبين إلا أن قادة العملية السلمية ظلوا على الدوام يطالبون بالإسراع في عملية التسليم؛ فيما تؤكد حكومة الانتقال إنها ستنفذ مطلب التسليم، لكنها مع ذلك تدرس خيارات متعددة.
حمدوك أيضاً
وفي الوقت الذي سعى البرهان للتأكيد على محاكمة المخلوع، كان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك يؤكد أن الحكومة أجرت محادثات مع المحكمة الجنائية الدولية، خلال العام والنصف السابقين، وكذلك مع المدعية العامة لمحكمة الجنايات التي قامت بزيارة السودان، وأضاف :”ناقشنا عدة خيارات للتعامل مع محكمة الجنايات بما في ذلك التسليم”.
وحول ما إذا كان سيقرر تسليم البشير للجنائية أجاب حمدوك في مقابلة مع قناة فرانس 24 بالقول :” سنقرر ذلك كدولة ومؤسسات وليس كخيار لرئيس الوزراء ولكن مؤسساتنا بشكل عام، المؤسسات السياسية ستقرر ذلك، ولكن بصفة عامة من المهم بالنسبة للضحايا تحقيق العدالة”.
مطلوب التسليم
القيادي بالجبهة الثورية إبراهيم زريبة، أكد لـ(السوداني)، أن الحكومة ستقدم على تسليم المطلوبين للجنائية الدولية لأنها اتفقت على هذه النصوص صراحة في جوبا، موضحًا أن الزيارة الأولى للمدعية العامة للجنائية فاتو بنسودة كانت بغرض التمهيد للتسليم؛ والآن أرسلت الفريق المختص للتباحث مع السلطات السودانية عن كيفية التسليم، بالتالي نستنتج أن هنالك تجاوباً؛ إذا لم يكن لكان الأمر انتهى، بالتالي هناك تفاوض، مؤكدة أن الوقت الحالي أفضل توقيت لأنه يحقق العدالة،. مشيرًا إلى أنه من زاوية تنفيذ اتفاقية السلام فإن هذا أفضل توقيت لأنه يحقق أمر العدالة، والعدالة شعار للثورة؛ وهناك الملايين من الضحايا ينتظرون اللحظة لتطييب نفوسهم، بالنسبة لنا كمسؤولين عن أمر السلام فإن أمر التسليم يسهل لنا إجراء المصالحات في دارفور؛ لأن أسر الضحايا قد طالبت بإحقاق العدالة.
المحكمة المحلية
يخضع الب
شير في الوقت الراهن للمحاكمة بتهمة الانقلاب العسكري الذي قاده في 1989، وهي قضية تحتاج لأشهر طويلة حتى تصل مرحلة إصدار حُكم نهائي.
يقول المتحدث الرسمي باسم هيئة الاتهام في بلاغ الانقلاب العسكري، المحامي معز حضرة لـ(السوداني) إن تسليم البشير إلى المحكمة الدولية أمر مفروغ عنه لأنه مطلب الضحايا وهم يملكون ذلك الحق، الأمر الآن يحتاج إلى تفاهمات بين الحكومة والجنائية لتسليم المطلوبين وشكل المحكمة ما إن كانت محكمة هجين أو يمكن أن تكون في السودان؛ فهناك أشكال عديدة، مؤكدًا أن الوقت مناسب جداً، بل تأخر كثيراً وفقاً لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وأكد حضرة أن تسليم البشير للجنائية سيزيل كثيراً من الاحتقان ويرد الاعتبار للضحايا وأسرهم الذين ذاقوا الأمرين من تأخر العدالة، بالإضافة إلى أنه يقدم رسالة للعالم بأنه لا كبير على العدالة ولا إفلات من العقاب.
وأكد أنه بذلك سيعود السودان ويصبح جزءاً من المجتمع الدولي؛ ويقدم رسالة للعالم بأن لا كبير على العدالة؛ وترسيخاً لمبادئ الأمم المتحدة بأن لا إفلات من العقاب.
تهديد وتخويف
بالمقابل، قال عضو هيئة الدفاع عن البشير القانوني محمد الحسن الأمين، لـ(السوداني) في وقت سابق، إن خطوة تسليم البشير ستكون لها عواقب وخيمة داخلياً وإقليمياً، وأنه لا يعتقد أن الحكومة ستقدم على تقديم الرئيس المعزول عمر البشير للمحكمة الجنائية والمطلوبين معه، وأنه سبق لمؤتمر شرم الشيخ للاتحاد الإفريقي رفض التعامل مع الجنائية كقرار مقابل تسليم البشير باعتبارها محكمة ضد الأفارقة وليست محكمة عدالة، كما أنه سيكون لها أثر سلبي داخلياً في القوات المسلحة وعلى شعب حكومة الرئيس 30 عاماً، نعم إن هناك من ثاروا ضده ولكن هناك من يقدرون ما أنجزه في تلك الفترة.
وأشار الأمين إلى أن الوقت غير مناسب لأن الحكومة تمر بضوائق اقتصادية وحرب مع إثيوبيا وغيرها ولا يعتقد أنها ستضع المزيد من الزيت على النيران المتقدة.
وأكد أن الساحة السياسية لن تكون الساحة بعد التسليم كقبله، فالوضع سيختلف لأن المسألة لن تمر كما يتخيل متخذو القرار وعواقبها وخيمة.
وأوضح أن التسليم سيكون له مضار على السودان، ويعتبر كشهادة بأن القضاء السوداني غير قادر على محاكمة مواطنيه، بالتالي الثقة العالمية ومنظمات حقوق الإنسان ستهتز، لأن ذلك اعتراف ضمني بعدم القدرة على المحاكمة محلياً، بالإضافة إلى أن التكلفة ستكون على السودان وتقدر بعشرات الملايين، المحكمة في محاكمة أبوقردة طالبت بـ (8) ملايين دولار تكلفة بقائه لحين تقديمة للمحكمة، وكذلك ينظر العالم للسودان من الضعف بدرجة يقدم مواطنوه لتحاكمهم دول خارج حدوده.
الخرطوم: مشاعر أحمد
صحيفة السوداني