(1)
لئن ندب السودانيون حظهم فلاريب أنهم محقون فلا أدري أهو إمتحان يستنفد الصبر والحيلة، أم هو سوء حظ وتعاسة لازمت هذا الشعب منذ الاستقلال وحتى هذه الساعة لحظة كتابة هذه السطور، فلم يُحظ شعب السودان بنظام حكم ينعم فيه بالاستقرار والأمن والرخاء رغم ما تزخر به بلاده من خيرات وفيرة وموارد ضخمة.. حكومات تأتي وأخرى تذهب ، وكلها تكرر أخطاء بعضها وتقلِّد المنهج المعتل… حكومات يقودها الحسد وتحركها بواعث الإنتقام وزخائم النفس الأمارة بالسوء … بلاد عظيمة وتأريخ ناصع وحضارة عريقة ومجد تليد وموارد ضخمة لكن استعصى عليها حتى الآن أن تُخرج أرحامها قيادة وطنية رشيدة متجردة من الأهواء والأطماع الشخصية ومتحررة من دوافع الحقد والحسد والإنتقام لتأخذ بيد الشعب إلى مرافي النماء..
ومع بزوغ كل عهدٍ جديد نبدو نحنُ الشعب الحائر كإبراهيم عليه السلام نتوسم الخير في «الطالع» القادم: (هذا ربي هذا أكبر)، وما أن يلفه الأفول تلفنا معه الحيرة والإحباط … بزغ فجر الثورة فاستبشر الشعب السوداني بثورته وبنصره على الديكتاتورية وعهد القهر والإستبداد فإذا بديكتاتورية جديدة وطغاة جدد يتسيدون ، مما يُحتِّم على الشعب السوداني البحث عن مخرج ، وهل يوجد مخرج غير إنتزاعهم من صهوة الثورة التي أمتطوها بدون كسب ولا مؤهلات ولاتضحيات ولاخبرات …فالذين يتسيدون ويتربعون الآن على كراسي السلطة إنحرفوا عن أهداف الثورة وشعاراتها فلابد للثوار أن يصحوا ويصححوا مسار ثورتهم التي التف عليها ديكتاتوريون جدد لايعرفون من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إلا اسمها فقط، وليس لهم نصيب في التخطيط والإدارة والكياسة والحكمة وتدبير شؤون الحكم والسياسة.
(2)
آخر أمل كنا ننتظره كان في رحم ثورة ديسمبر التي لاتزال يتنازعها «العسكر» و»اليسار» ومن وراء كل منهم ثعالب دوليون يريدون سرقة خيرات بلدنا غير أن هذا الأمل تبدد الآن تماماً… كنا حتى قبل بضعة أشهر نفاخر بأن ثورة ديسمبر رغم ماحدث لها من تخريب وسرقة وإختطاف وإنحراف فإنها أوجدت لنا مساحةً محترمة من الحريات وخاصة حرية الإعلام ، وكُنا نقول تحقق الضلع الأول من شعارات الثورة (حرية سلام وعدالة) ، كنا نفاخر بحرية الإعلام بعد الثورة وننتظر استكمال بقية الشعارات «السلام والعدالة» فإذا بالحرية تُذبح ، والآن بعد عامين من الثورة فلا حرية و لا سلام ولا عدالة …برامج تلفزيونية تصدر الأوامر بإيقافها ضيقاً بها ، وإعلاميون وصحافيون يتعرضون للإعتقال والتضييق …وأما حلم السلام فتحول إلى كوابيس ومجازر وشلالات دماء تتدفق في أطراف البلاد ، وسيول من الجرائم وحوادث النهب والسطو تذهب بالطمأنينة من قلب الخرطوم وعمّت شرورها كل الولايات…وأما العدالة فتلك الحلقة الأضعف منذ أن تفجرت الثورة..
(3)
الحرية التي ناضل من أجلها شعب السودان ليست حرية التعري والملاهي وإباحة المنكرات بل قناديل تضيء مواضع العتمة فتطرد الخفافيش التي إعتادت عيش الظلام وتنير الطريق لكل السالكين وتهدي للحكام عيوبهم وتصحح المسارات وتراقب … والسلام الذي يريده الشعب السوداني هو الأمن والأمان والطمانينة وليس سلام المحاصصات الذي يستولد المزيد من التمردات ويغري الإنتهازيين لرفع رايات التمرد الجديد فهذا ليس سلاماً بل حرب ودمار..والعدالة التي ينشدها الناس ليست العدالة الإنتقائية وعدالة التشفي والإنتقام التي تحركها الرغبات الشخصية والخصومات السياسية بل عدالة تتوسد القانون وبه تهتدي وبه تستقيم إجراءاتها، فلا عدالة إلا بالمحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالي، والمجلس التشريعي الذي يسن القوانين، ومحاكمة المتهمين الذين يشرفون على عامهم الثالث في معتقلاتهم بلامحاكمة..وختاماً أقول أن الأمر يتطلب الثورة على مختطفي الثورة وتصحيح مسارها حتى لا تترك لأشخاص وعناصر مشبوهة تقود خطامها.. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة