إن كثيرا من الأئمة والمؤذنين يحرصون على إقامة صلاة المغرب في شهر رمضان في نفس الوقت الذي تقام فيه في بقية العام !! ويحتجون بقولهم إن وقت المغرب ضيقٌ ، فيعجز بعض الصائمين الذين أفطروا في بيوتهم أو أمام منازلهم عن إدراك صلاة المغرب مع الجماعة في بيوت الله تعالى ، ومن يدرك الصلاة أو تكبيرة الإحرام في المسجد يكون لم يكمل إفطاره.
وهذا الحال يكاد يكون هو السائد الغالب في المساجد في بلادنا ، بينما نجد كثيراً من المساجد في بلاد المسلمين وفي بلاد الأقليات تراعي حال الصائمين في شهر رمضان ، فيؤخر وقت إقامة الصلاة إلى عشرين دقيقة بعد الأذان بدلاً عن عشر دقائق .. وبذلك يدرك أكثر الجماعة تكبيرة الإحرام ويرتوي من أراد من الماء ويأكل من أراد الأكل ما شاء ..
وأما احتجاج بعض المتعجّلين في إقامة الصلاة بقولهم : إن وقت المغرب ضيقٌ !! فإنه قولٌ لا يقف أمام الحجة الشرعية فإن وقت صلاة المغرب يمتد حتى غياب الشفق الأحمر وبعده يدخل وقت العشاء مباشرة .. فإن وقت صلاة المغرب لا ينتهي في عشر أو عشرين دقيقة أو نصف ساعة !! بل هو مستمر حتى غياب الشفق الأحمر ..
ومما لا شك فيه أن أحبّ الأعمال إلى الله الصلاة في أول وقتها كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَي قَالَ « بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَي قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ». رواه البخاري ومسلم.
وأن التبكير في أداء الصلاة بعد دخول الوقت هو مما ينبغي الحرص عليه والاجتهاد فيه ؛ لكن إذا كان التأخير لمصلحة شرعية ، وهي أن يفسح للناس في الوقت حتى يكملوا فطرهم ويأتون إلى المسجد غير منشغلين بما انقطعوا عنه من الطعام أو الشراب ، وأن يفسح لهم من الوقت حتى لا تفوتهم الصلاة بسبب أكلهم وشربهم في الإفطار من صومهم ، فإن هذا التأخير جائزٌ وقد يكون مستحباً .. وفيه مراعاة المقاصد الشرعية في صلاة الناس مع الجماعة في المسجد ، والتيسير عليهم للإتيان إلى المسجد بعد الأكل والشرب بغير عجلة ، وأداء الصلاة بغير انشغال بسبب عدم الشبع والري.
ولربما لا يقتنع بعض المؤذنين وبعض كبار السن في بعض المساجد بما قلتُ ، وذلك لأنهم قد تعوّدوا على العجلة في إقامة صلاة المغرب حتى إن بعضهم يجعل الوقت بين أذان وإقامة صلاة المغرب خمس دقائق فقط !! حتى إن بعض من يتوضأ في مواضئ المسجد نفسه لا يدرك تكبيرة الإحرام !!
فأؤكد ما قلت بهذا الحديث : عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَقَالَ « اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلاَةَ ». فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ – شَكَّ حَرَمِىٌّ – فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ ».رواه مسلم في صحيحه.
فأرجو أن يصحّح الحال في هذه المسألة المهمة ونحن في استقبال هذا الشهر المبارك لما في ذلك من المصالح الشرعية الواضحة ولما فيه من تحقيق عدد من المقاصد الشرعية المرعية.
وإن من الغريب جداً أن تجد هذه العجلة من بعض الأئمة والمؤذنين في إقامة صلاة المغرب وفي المقابل التأخير لأكثر من ساعة كاملة في إقامة صلاة الظهر !! فإنه في بعض الأوقات يؤذن لصلاة الظهر قبل الساعة الواحدة بعشر دقائق أو ثلث ساعة وفي بعض الأوقات يؤذن للظهر قبل هذا الوقت أيضاً ، ومع ذلك تقام الصلاة في بعض المساجد الساعة الثانية طوال العام !! حيث تلتزم بعض المساجد بتحديد وقت واحد لإقامة الصلاة يصلى في هذا الوقت المحدد رغم اختلاف التوقيت والتفاوت الكبير بين فصلي الصيف والشتاء!! وبعض المساجد تلتزم طول العام إقامة صلاة الظهر عند الساعة الواحدة والنصف بينما الأذان يكون قبل ذلك بخمس وأربعين دقيقة أو أكثر !! وبمثل هذا قل في وقت إقامة صلاة العصر ؛ فإن كثيراً من المساجد تقام فيها صلاة العصر في الرابعة والنصف طوال أيام السنة وقد يكون وقت الأذان أيام الشتاء قبل الرابعة بثلث أو ربع ساعة !!
وأما وقت صلاة العشاء والتراويح في رمضان ، فإن كثيراً من بلاد المسلمين ~ ومنها بلاد الحرمين ~ يجعل فيها الوقت بين أذان المغرب وأذان صلاة العشاء بمقدار (ساعتين كاملتين) فيؤخر رفع الأذان مع علم الجميع أن دخول الوقت هو قبل ذلك وهو التوقيت المحدد في التقويم ، فيؤخر هذه المسافة تخفيفاً على الناس وتيسيراً لهم ؛ أي أنه إذا كان وقت أذان المغرب السابعة مساء – مثلاً – فإن وقت أذان العشاء يكون عند الساعة التاسعة ، وهكذا يتقدّم أو يتأخر وقت أذان العشاء بحسب وقت صلاة المغرب لتجعل ساعتان بين الوقتين ، وفي ذلك إمهال مناسب للناس ، وفيه من المصالح الكثيرة المعلومة ، وإن هذا التأخير يجعل الناس يأتون إلى صلاة التراويح بأعداد أكثر وفي حال أحسن ، باستعداد أفضل وتهيئة أكمل ، والحال في مثل هذا المقام هو الوصف الأبلغ !! فإن من جرّب هذه الفسحة والإمهال في الوقت بتأخير وقت صلاة العشاء والتراويح علم المصلحة الكبيرة المترتبة على ذلك.
وإن تأخير وقت العشاء ثبتت به السنة إذا أُمِن على الناس عدم المشقة عليهم ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ أَعْتَمَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ « إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى » رواه مسلم.
آمل أن يراعي الأئمة والمؤذنون هذا الأمر ، كما آمل أن يتم توحيد وقت الأذان والإقامة في بلادنا ؛ فإن توحيد وقت الأذان من المهمات التي ينبغي أن يحرص عليها ، وفي ذلك إظهار لوحدة المسلمين ، وهذا مقصد عظيم راعته الشريعة في تشريع أحكام كثيرة ، وفي توحيد وقت الأذان تيسير على الناس لأداء الصلاة ؛ فإن المساجد والمصليات إذا اتحد وقت الأذان وإقامة الصلاة فيها فإن هذا سيضبط حال كثير من المسلمين والمسلمات ليؤدوا الصلاة في وقتها بدلاً من التسويف الذي يقع فيه كثير من الناس بسبب تفاوت الأوقات التي يرفع فيها الأذان وتفاوت الأوقات التي تقام فيها الصلاة ..وذلك في أوقات جميع الصلوات وصلاة الجمعة.
أسأل الله التوفيق للجميع ، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام ..
كتبها : عارف عوض الركابي