العلمانية تحشد لإفطار الاسلاميين

يوسف السندي
كما توقعنا خرج الاسلاميون من جحورهم مساء الأمس الرابع من رمضان في إفطار جماعي في الساحة الخضراء، بعد أن وفر عليهم إعلان البرهان والحلو كثير من الجهد والتعب بخطاب العلمانية، اليسار الذي إتهم البرهان زمنا طويلا بأنه لجنة أمنية ويعتبرون أن ما قام به المجلس العسكري هو انقلاب على السلطة، ومازالوا يتهمونه وبقية العساكر بالتخطيط للسيطرة على الحكم، صفقوا للبرهان لتوقيعه لإعلان المباديء مع الحلو ورفعوه مكانا عليا، ولكن لو أعاد هذا اليسار التفكير مجددا فيما حدث فإن الدرب الذي قد يعبد طريق البلاد نحو الانقلاب هو درب الفتن، وهل هناك فتن أكثر شراسة من الفتنة الدينية؟ اذا كان البرهان أو قيادات الجيش يفكرون او لا يفكرون في انقلاب فإن خطوتهم الراهنة نحو العلمانية إنما هي خطوة لإعادة الإسلاميين للمشهد ولايقاظ خلايا الإسلاميين النائمة في الجيش والأمن وهي الخلايا التي قد تساهم في صناعة الانقلاب بعد سيطرة المعركة الدينية على الساحة السياسية، في ظل انهيار اقتصادي سيزيد من قيمة الشك في الحكومة الانتقالية، ومن انفضاض الجماهير من حولها.

لن تستطيع الثورة ان تمحو تيار الإسلاميين من الوجود هذه حقيقة، ولكنها استطاعت أن تبطيء من قدرة شعاراته على مخاطبة المجتمع، لقد صنعت الثورة قطيعة بين أفكار الإسلاميين في الحكم وبين عقول الأجيال الجديدة، ولكن إحياء خطاب العلمانية سوف يجعل كل هذه المكاسب التي حققتها الثورة هباءا منثورا، وسوف يعيد الروح للإسلاميين ويجعل لشعارتهم بعض البريق في أذهان العامة، ويجعل الأسئلة في أذهان العامة تتكاثر عن الهدف الذي خرجت من أجله الثورة، هل خرجت الثورة من اجل العلمانية؟ ام خرجت من أجل المدنية؟ وبالتأكيد سيجيب الجميع بأنها خرجت من أجل المدنية، مما يجعل هدف الدعوة للعلمانية خروج عن اهداف الثورة وهزيمة لها. المدنية كانت قادرة على هزيمة شعارات الإسلاميين ودفنها لزمن طويل، اما العلمانية فهي المنقذ الذي سيعيدهم للحياة، وهو ما غفل عنه اليساريون والملحدون والمثليون الذين يحلمون بسودان مسخ نسخة مشوهة من دول الغرب المتحرر.

الخطاب المعادي للدين والمستفز للمتدينين أصبح يعلو بشدة في أوساط عديدة داخل السودان وكأنما الثورة جاءت لتطمس هوية البلاد الدينية، هذه الخلاصة قادت الكثيرين من اهل السودان إلى الكفر بالتغيير الذي حدث، وجعلت الكثيرين يؤمنون بأن التحول المتسارع نحو الدولة العلمانية هي خيانة للاغلبية السودانية واختطاف للثورة، وهي طعنة نجلاء في ضمير الأمة ستفرض قطيعة عميقة بين الأفكار التي حملتها الثورة والقيم التي تحملها غالبية الجماهير، وهذا مأزق كبير للثورة سيفقدها السند الجماهيري منا يعجل بسقوطها سواء عبر انقلاب او عبر الانتخابات. لذلك على الكثيرين من اليساريين الذين يظنون أن الأمور تسير في صالحهم ان يعيدوا الكرة مرتين في هذه الطريقة غير المضمونة العواقب ويتجهوا مجددا نحو الهدف الواضح والمعلن والمتفق عليه بين الجميع وهو الدولة المدنية التي أقرتها نصوص مقررات مؤتمر اسمرا ١٩٩٥ ونصوص اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ ونصوص اتفاقية جوبا ٢٠٢٠، ويبتعدوا قدر الإمكان عن الدعوة المباشرة للعلمانية.

يوسف السندي
صحيفة التحرير

Exit mobile version