حسب تقارير منظمات الأمم المتحدة ستعاني معظم أنحاء السودان من مشاكل في توفير الغذاء بين فبراير وسبتمبر من العام ٢٠٢١، وخاصة مناطق جبل مرة وجنوب كردفان والنيل الأزرق وكسلا وشمال دارفور وشمال كردفان والبحر الآحمر، وتقدر اليونيسف عدد المواطنين السودانيين الذين يعانون من عدم الأمن الغذائي الحاد بحوالي ٧ مليون شخص. ظروف الحرب واللجوء والنزوح والتضخم وانخفاض الإنتاج هي أهم الأسباب هذه الأزمة. منظمات الأمم المتحدة تجتهد في تقديم المساعدات بالتعاون مع حكومة السودان حيث يقدر العدد المستهدف بالمساعدات ب ٨,٩ مليون شخص، تقدر التكلفة السنوية لهذا الدعم ب ١.٦ مليار دولار، تم منها جمع ما يعادل ٥٣% من القيمة والفجوة المراد تكملتها تقارب النصف.
هذا الواقع الغذائي الموجود في بلادنا مؤلم ومؤسف ويدعو الجميع إلى التفكير في عمل منهجي وصحيح من اجل الخروج من هذا الوضع الكارثي، فبلادنا لا تستحق ان تكون معتمدة على العون العالمي، فهي بحق سلة غذاء العالم، مواردنا المتعددة مصدر ثراء لنا، لو اهتممنا بها لن نحتاج لعون من أحد وسننهض لا محالة، مؤسف جدا ان يكون انتاجنا السنوي مثلا من القمح لا يغطي سوى ربع احتياجنا السنوي او أقل، بينما نمتلك أكبر مزرعة مروية في أفريقيا والشرق الأوسط (مشروع الجزيرة)، ونمتلك ٤٦% من إجمالي الأراضي الخصبة في العالم العربي، هذا غير الوفرة التي نتمتع بها في المياه وفي الأيدي العاملة، فلماذا نعاني غذائيا؟ لماذا نجوع وعندنا الأرض الخصبة والمياه؟ هذا سؤال واقعي يجب أن يفكر فيه كل سوداني ويجتهد في الإجابة عليه بالعمل وليس بالقول.
مشكلة المياة التي تعاني منها معظم الدول لا تمثل أزمة بالنسبة لنا، فبلادنا تزخر بمصادر متنوعة للمياه من الانهار والبحار والأمطار والمياه الجوفية، ولكن وفرة المياه عندنا يصاحبها فقر في الاليات الحديثة اللازمة للاستفادة منها، نعاني في مسائل إصلاح القنوات لإيصال المياه للمشاريع الزراعية، كما نفتقر إلى الآليات اللازمة لاستخراج وضخ المياة الجوفية، بالاضافة الى فقر في الاليات والوسائل اللازمة لتخزين مياة الأمطار ومنع فقدانها بالتسرب والتبخر، كما نفتقر إلى التخطيط الجيد في إستخدامات المياة، والمياه كما نعلم تدخل في إنتاج كل شيء تقريبا، وتوفرها يعني توفر نصف التكلفة من الإنتاج على الأقل، وهذا يوضح أن المياه لوحدها ثروة قومية لو أننا نستفيد منها بالشكل المطلوب.
بلادنا تعتبر من البلدان الشابة، عدد الشباب يكاد يتجاوز ال ٦٠% من اجمالي السكان، مقارنة مثلا مع البلدان الأوربية فالآية في اوربا معكوسة حيث ان النسبة الأكبر من السكان فيها هم كبار السن، لذلك يمكن وصف اوربا بلقب القارة العجوز، الاستخدم المثالي للشباب السوداني عبر الاستثمار في مشاريع الزراعة والثروة الحيوانية والمائية وتوظيفهم في هذه الفرص قد يمثل تحولا ضخما لبلادنا نحو الاستقرار الغذائي والاقتصادي.
الخليج نهض بثروة البترول، ألمانيا نهضت بالصناعات الثقيلة، سنغافورة نهضت بتجارة الأموال، واليابان وكوريا نهضتا بالرقائق والتكنولوجيا الرقمية، لكي ننهض نحن فإننا لا نملك اي شيء من هذه الثروات والخبرات اعلاه، ولكننا نمتلك الأراضي الخصبة والمياة والسواعد الفتية، هذه هي مصادر قوتنا الحقيقية لو نستثمر فيها لن نجوع ولن نمد ايادينا لغريب ابدا.
صحيفة السوداني