في بدايات تكوين الحكومة الانتقالية قال الإمام الراحل الصادق المهدي اذا فشلت الحكومة الانتقالية سنذهب إلى الانتخابات المبكرة، حتى رحيله لم تصل الحكومة الانتقالية إلى الفشل الذي يجعله يدعو إلى الانتخابات المبكرة، الآن بعد شهور من رحيله يظهر ان الحكومة الانتقالية ناجحة في بعض الملفات وفاشلة بامتياز في اخرى، نجحت الحكومة الانتقالية في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وان كانت هذه نتيجة موضوعية لا يجب أن تحسب للحكومة، ففي كل الأحوال بعد رحيل البشير كان متوقعا ان يخرج السودان من قائمة الارهاب. أعادت الحكومة الانتقالية السودان إلى المجتمع الدولي، وهذه حقيقة ولكن الحكومة دفعت في سبيل التقارب مع أمريكا والغرب الاوربي ثمنا ضخما وهو التطبيع مع إسرائيل.
نجحت الحكومة الانتقالية في ملف الحريات العامة بدرجة جيد، خاصة في حرية التعبير وحرية الكتابة الصحفية، فالحرية التي ينعم بها الطيب مصطفى وغيره من كتاب الكيزان في عهد الحكومة الانتقالية لم ينعموا بمعشارها في عهد البشير. كذلك متاح في البلاد حرية التظاهر والتجمع وممارسة العمل السياسي، ولكن هناك شكوك حول الاعتقالات التعسفية من جهاز الامن والدعم السريع، كما هناك تباطوء غير مبرر من أجهزة الشرطة والامن والجيش في ايقاف الانفلاتات الأمنية وحوادث القتل. على صعيد السلام نجحت الحكومة الانتقالية في توقيع اتفاقية جوبا وتمضي بشكل جيد في التفاوض مع الحلو رغم القفزة إلى المجهول التي صنعها الفريق البرهان بتوقيعه على إعلان المباديء مع الحلو بما تضمنه حول علاقة الدين بالدولة.
على النقيض من كل ذلك فشلت الحكومة الانتقالية بصورة مريعة في ملف الاقتصاد، للدرجة التي قد يطغي هذا الفشل على جميع النجاحات التي حققتها الحكومة في الملفات السياسية والقانونية، فالحكومة في نظر المواطن العادي هي الجهة التي توفر الخدمات من كهرباء وغاز وصحة وتعليم ومواصلات و..الخ، مؤسف جدا ان كل هذه الخدمات تكاد تكون في عداد المعدومة للمواطن العادي، لا يمكن التسامح مع الواقع الصحي المزري في المستشفيات لدرجة انقطاع ادوية منقذة للحياة كالادوية المخدرة لمرضى العناية المكثفة، ثم الطامة الكبرى انقطاع الكهرباء داخل المستشفى وموت مرضى! هذا واقع مؤلم.
هل نمضي بهذا الشكل الحكومي؟ هل سنعبر كما يردد رئيس الوزراء؟ هذه الأسئلة تتردد في أذهان الجميع، ولكن السؤال الأهم هو ماذا اذا استمر الفشل؟ كيف نتصرف؟ هل تغيير الحكومة الانتقالية بحكومة انتقالية أخرى هو الحل، ام ان الحل هو الذهاب إلى الانتخابات؟ هناك تعقيدات كبيرة قد تنهض امام الانتخابات وأهمها عدم اكتمال السلام ووجود اتفاقيات سلام، ولكن هل المواصلة بحكومة فاشلة اقتصاديا سيدعم استقرار السلام؟ أليس السلام في حد ذاته بناء؟ أليس البناء عملية اقتصادية تحتاج المال والادوات؟ من ناحية أخرى أليست الانتخابات احدي أهداف الثورة، يقول صامويل هاتنغتون: الانتخابات هي أداة للديمقراطية وهدف لها في نفس الوقت، هل حان وقت التفكير في الانتخابات كحل للفشل الاقتصادي الراهن؟ ام ان الصبر مازال الخيار المفضل!
صحيفة السوداني