يوسف السندي يكتب جهل العلمانيين بالإسلام

ولدت العلمانية في أوربا نتيجة للانحطاط الديني المسيحي حين تحالف البابوات مع الملوك واذاقوا الشعوب اصنافا من العذاب باسم الله، وهو شيء لم يحدث في تاريخ الاسلام، اللهم إلا في دولة داعش التي اقامها بعض الجهلاء وبين خطلها وضلالها عامة وعلماء المسلمين معا، لذلك لا يمكن لمسلم عاقل وواع أن يتحول لعلماني، فهذا إنما هو اعتراف صريح بأن الديانة الإسلامية قد مارست قهرا دينيا باسم الله من ارفع واعظم مساجدها وأنها عقدت للحكام لواء الشرعية الالهية لقتل الناس، وهو ما لم يحدث تاريخيا بالطريقة التي حدثت في بلاد المسيحيين في القرون الوسطى.

بل الحقيقة ان نور الإسلام الذي سطع في الشرق في تلك القرون وأضاء سماوات أوربا هو الذي حفز وأجج ثورة المسيحيين الرافضين لممارسات الكنيسة وتحالفها الظلامي مع الحكام، وهذا لوحده دليل ان لا علمانية في الاسلام، فالإسلام ليس دينا خاصا بين العبد وربه فقط وإنما هو دين حياة، فالمسلم لا يمارس إسلامه في المسجد فقط وإنما يمارسه في تربية الأبناء وفي بر الوالدين وفي الوفاء بالعهود وفي حقوق الجار وفي الأمانة في العمل وفي المسؤلية عن الرعية وفي الحكم وفي العلم وفي السلم وفي الحرب وفي المرض والصحة وفي الفقر والغنى وفي الشباب والكهولة وفي النظر والكلام والسمع والصمت والكلام، بل لا يمكن لمسلم أن يعيش طرفة عين من حياته ويقول هذه طرفة عين خارج حياتي كمسلم، ان كان ثمة مسلم يفهم الإسلام على غير ذلك فهو مسلم يحتاج لمراجعة نفسه.

لذلك فالعلمانية لا تصلح للمسلمين، هي تصلح لغيرهم ولكنها لا تصلح لهم أصحاب الدين الخاتم، الدين الذي لا يقهر أحدا على فعل ولا يمنع الأخلاق الفاضلة ولا يغمط المجتهدين ولا العاملين حقهم ولا يقر القتل خارج إطار القانون ولا يفرض على الآخر ما لا يؤمن به، وفي نفس الوقت هو دين لا يقر القتل ولا الظلم ولا التميبز ولا الحروب ولا الإيذاء ولا المجون ولا الفسق، كيف سنمنع دينا بهذا الشمول وهذه الدقة في بناء المجتمع وصيانة الحياة من السيادة؟ هذا والله عبث ولا اسم آخر له عندي.

الإسلام الذي حكم به الكيزان وحكم به النميري في ١٩٨٣ لا يشبه الاسلام الذي يدين به أهل السودان، الإسلام الرباني الوسطى السمح المتسامح النقي من قهر الآخرين ومن دماء الابرياء، لذلك لا يمكن أن نحاكم الإسلام بهذه التجارب المنعزلة والمحددوة، لو لم يكن يعلم البعض فإن الكنيسة العليا في روما هي التي كانت تقود الدولة الكنسية الظلامية التي أفرزت ردة فعل مضادة لها هي العلمانية، فهل قام اطهر مسجد في الإسلام وهو المسجد الحرام بما قامت به كنيسة روما؟ حتى نطالب بعلمانية كما طالب بها المسيحيون؟ لا لم يحدث اطلاقا ولا في اي مرحلة من مراحل دولة الاسلام.

المناداة بالعلمانية في بلاد الإسلام هي للاسف مجرد جهل فاضح وتقليد أعمى للغرب المسيحي فضح القرآن الكريم ما يشبهه من قبل في جهل قوم موسى عليه السلام حين قال تعالى في سورة الاعراف: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال أنكم قوم تجهلون)، فهؤلاء كانوا يظنون أن عبادة الأصنام كنموذج مصغر عن الله لا تضر الدين، تماما كما يظن العلمانيون اليوم ان صناعة دولة خالية من الدين لا تضر بدينهم ولا تدينهم. فهؤلاء وأولئك رعاع يحتاجون من يوقظهم من غيبوبتهم ليبين لهم حقيقة الله والدين قبل أن يموتوا فيسألهم الله يوم السؤال فلا يحرون جوابا.

صحيفة السوداني

Exit mobile version