يبدو أن ملف السلام الذي التزمت الحكومة بتحقيقه واستكمال مراحله مع الحركات غير الموقعة لا تكمن مشكلته في (علمانية ) الحلو او بُعد عبد الواحد محمد نور عن طاولة التفاوض ، ولكن تبقى علته الأساسية في عدم تنفيذ الحكومة لاستكمال بنود الاتفاق ، فالحكومة ربما تعلل عدم التزامها بعدم قدرتها الاقتصادية والمادية، ليس لتنفيذ اتفاق السلام وإنما لتوفير أبسط مقومات الحياة للمواطن ، ومع ذلك تجد ان بنود الاتفاق تلزم الحكومة للايفاء بعدها ووعدها حسب ماجاء في نصوص الاتفاق وحتى لايبقى السلام مجرد وصول الى أهداف تتطلع اليها الحكومة دون ان تكون هناك خطوات عملية على ارض الواقع ، فيجب على الحكومة ان تعمل من أجل ذلك فإن تنصلت الحكومة عن ماتم الاتفاق عليه ، فهذا مايجعل الأطراف غير الموقعة في تخوف من الاقدام بثقة نحو هذه الخطوة، لاسيما ان بعض أطراف السلام كانت لهم تحارب سابقة مع حكومة المخلوع التي كانت توقع على اتفاقيات شكلية من أجل المكاسب السياسية .
وقالت حركة تحرير السودان أمس في بيان لها انه وبعد مرور ستة أشهر بالتمام على اتفاق جوبا لم يتم استكمال هياكل الحكم الانتقالي ،وان بند الترتيبات الأمنية يحيطه جمود شديد مع رصدنا لمظاهر إعادة تنشيط لمليشات النظام البائد كما أن تأخر انعقاد مؤتمر نظام الحكم الفيدرالي وتعيين حكّام الأقاليم والولاة وغير ذلك لا يساعد في العمل الجاد لتنفيذ اتفاق جوبا ، هذا وغيره يوحي بنوايا التمسك بالحكم الفردي على حساب المؤسسات وهذا بدوره يقود لفقدان الثقة التي توفرت بعد عسر مما يزيد تعقيد الأزمة التاريخية في إدارة البلاد ، ولا زال المنهج القديم يسيطر على العقلية التي أمسكت بزمام الأمور وهو ما جعل ثورة ديسمبر التي استبشر بها الجميع خيراً تصبح في مفترق طرق ، المنهج القديم الذي ينطلق من مبدأ الوصاية في إدارة البلاد ظل ينخر انجازات الثورة وحولها لحدث عرضي وتحولت “الدولة العميقة” إلى “دواء” لامتصاص الاحتقان الشعبي، وأكدت حركة تحرير السودان على تمسكها القوي مع الرفاق بالالتزام القاطع بتنفيذ الاتفاق ونعمل بجد وتفان في إزالة جميع المتاريس وندعو الجميع لاعتماد الحوار المباشر لحل القضايا وتجدد رفضها القاطع لسياسة الابتزاز واستغلال الأزمات التي تمر بها البلاد لمصلحة حزبية ، وتدرك الحركة مخاطر مرحلة الانتقال التي تسعى حولها مجموعات عابثة للسيطرة على جهاز الدولة تدعو الحركة كل القوى الوطنية في السلطة و خارجها إلى التحلي بالإيجابية والمسؤولية وإعطاء الأولوية لاستكمال هياكل المرحلة الانتقالية لازالة الهشاشة في جسد الدولة المنهك ، تدعو الحركة جميع شركاء الفترة الانتقالية إلى العمل المشترك ووقف حالة الاستقطاب السالبة، إزاء هذا يجب على السلطة إعادة قراءة الواقع بحكمة وواقعية حتى لا تقع في تناقض مع المطالب المشروعة للشعب السوداني.
وبيان الحركة يكشف عن عدم ثقة كبيرة من جانبها في حكومة الفترة الانتقالية ، وان الاتفاق تحيطه المخاطر وحديث الحركة ( بنفس حار ) ينذر بأن سماء مستقبل الاتفاق تغطيها كثير من الغيوم والضبابية، وحديت الحركة عن تجديد رفضها القاطع لسياسة الابتزاز واستغلال الأزمات التي تمر بها البلاد لمصلحة حزبية ، وتدرك الحركة مخاطر مرحلة الانتقال التي تسعى حولها مجموعات عابثة للسيطرة على جهاز الدولة)، يذكرك ان الحركة مازالت في منطقة الحرب وان ناطقها الرسمي كتب بيانه بعد معركة حامية بينه وبين الحكومة، كما ان البيان ولغته وعباراته لا يختلف كثيراً عن البيانات التي كانت تخاطب بها الحركة حكومة البشير.
هذا كله يبرهن ان الحكومة ورواد السلام فيها الذين يتسابقون الى منابر التفاوض وكسب المزيد من الاصوات الموقعة ، لا يدركون تلك المساحات الشاسعة بينهم وبين الموقعين من أطراف السلام ، وحركة موقعة على اتفاق جوبا تحرر مثل هكذا بيانات وتشكو من ذات الذي كانت تعاني منه في السابق ، تكشف على ان اتفاقيات السلام ماهي إلا مهرجانات يتباهى بها صناعها في الضوء أمام الناس ، ولكنها تعاني في داخلها كثير من التصدع ، هذا وان البيان يكشف عدم الانسجام بين الاطراف الموقعة والحكومة ، فكلما تباعدت المسافات بين الاطراف كثرت البيانات والتصريحات لاجهزة الاعلام والعكس كذلك.
لذلك لابد ان تنتبه الحكومة للقضايا الجوهرية التي تجعل من السلام امراً حقيقياً يحسه الناس وواقعاً يعيشونه ، وسلاماً لم تطمئن له الاطراف الموقعةكيف سيكون جاذباً لغيرهم ، فالسلام لا يعني انضمام المزيد من القادة والأشخاص الى ركبه ، السلام هو احساس داخلي يضئ الدواخل اولاً ، فإن كان هناك عدم رضا وعدم تواصل وتفاهم وعدم ثقة وعدم التزام بالوعود والنصوص فما قيمة السلام الذي ترفع له الشعارات ، اجعلوا ماتقومون به حقيقة ، فكفى الناس ماعاشوا أعواماً من الزيف .
طيف أخير :
إذا لم تغامر من أجل شئ يهمك فاصمت إذا خسرته
صباح محمد الحسن.. صحيفة الجريدة