في تنافس حميم تباري الكثيرون للتهديد بتدمير العمارات بالعاصمة والمدهش ان ذلك جاء تباعا وتوقيع اتفاق سلام جوبا والذي افرح الكل ورقص له الجميع علي امل ان يعالج جذريا معاناة اهلنا بدارفور وبالمناطق الملتهبة ويعيد الاستقرار لمن تشردوا وتعذبوا وليرتاح جسد هذا الوطن الجريح وينعم مواطنيه بالأمن والتنمية المستدامة نتاج حروب اكلت الاخضر واليابس .. والجماعات المدججة بالأسلحة الثقيلة التي رابضت بالحديقة الدولية ليست ببعيدة عن الاذهان وباتت الخرطوم ساحة لاستعراض القوة وأسطول من السيارات الثقيلة تتلاحق والسنة ترمي بقبيح القول …
علي الطرف الاخر هناك حديث خجول او فلنقل لا يرقى لمستوى المسوولية عن بند الترتيبات الامنية ما به وما عليه وفي ظل انفلاتات امنية فاقت الحد لم تستطع كل الحملات المعلنة والبيانات واللقاءات علي شاشات التلفزيونات ان تكبح جماحها …
هذا وغيره ليس مستغربا ان كان كبار قادة الحركات المسلحة سارعت لتأمين سكنها بالفنادق الفاخرة او بالاحياء الراقية وكانهم لم يشبعوا من فنادق اللجوء وضيافات المنظمات الاجنبية.. او هم في جولات للهتاف ودق الطبول لا تختلف كثيرا عن جولات مقطوع الطاريء والمدفوعة القيمة للهتيفة …ولنا ان نطرح سؤالا اين متضرري الحروب والمهمشين واللاجئين .. اصحاب الحواكير والأرضي المحروقة .. والآهات المكتومة … من فقدوا اسرهم .. وأطفالهم … من اغتصبوا وعذبوا وغيرهم من المنتظرين علي الأرصفة بربكم من لهم ؟
فهذه المتحركات الثقيلة والأذرع المفتولة ألم يكن اولى ان كانت حريصة علي السلام الحقيقي ..وإن كانت اصلا جاءت لإسكانه بين ربوع الوطن واهله أن تبدأ في نفير يلملم كل مكونات مجتمعات النزوح لتعبيد الحوشات ولشق القنوات .. لحفر الابار ولترميم المدارس والمشافي وشق الطرقات ..
ان الآليات الثقيلة المتحركة نحو المدن ومن عليها من فتية يمكنهم ان يبذروا بذور الاستقرار بالقرى والحلال والبوادي ليغسلوا المرارات ويمكنها انجاز ما لا يمكن ان تنجزه المساعدات الخارجية مهما ارتفع سقفها .. ان القيادات الرشيدة ليس تلك التي تزرع الفتن وتألب النفوس بل هي التي تحرك مكامن العطاء للعمل والتالف وتصفية النفوس …
ان بنود اتفاقيات السلام ستكون حبرا علي ورق إن لم ينكفئ الجميع لأجل سلام مجتمعي ومصالحات وجبر خواطر وسط المتضررين و ليس هو بدواوين الحكومة ولا بشاشات التلفزيونات والهتافات .. ان السلام هناك عند من فقدوا فلذات أكبادهم ومن هجروا من ديارهم ومن اغتصبوا ومن تم ازلالهم .. ان السلام عمل مجتمعي وتنموي متكامل الاركان وليس روشتات ترسل عن بعد بل وسط المظلومين والمازومين ولابد من ان يحرض الجميع بعضهم بعضا للعمل النافع والتنمية المستدامة ..
ان شعار ” سنبنيه ” لن يكون ذو قيمة إن لم يشمر الجميع عن سواعد الجدية وان يغسلوا من دواخلهم البغضاء والحقد التي ولدت العنصرية الكريهة … وليعي الجميع ان هناك امهات مكلومات وحبوبات عاجزات وصبايا مصدومات .. وان هناك آهات مكتومة وارض محروقة إن من تعمرها الايادي التي ضغطت علي الزناد فلن تات أيادي من خارج الحدود ومن البنك الدولي او موسسات وهيئات الامم المتحدة لتزرع الحواشات وتغرس البذور وتشق القنوات …
استقوا العبرة من اتفاقيات السلام التي وقعت سابقا فقد تحولت لحبر علي ورق طالما سكن من وقعوها بقصورهم وركبوا فارهات عرباتهم بعيدا عن المكتوين و تاركين اهلنا الغبش مشردين عن ارضهم وحواكيرهم ومزارعهم ..
ان هذه الأسلحة الثقيلة وسيارات الدفع الرباعي طالما نجحت ثورة ديسمبر المجيدة في ازاحة اسباب اطلاقها للرصاص والقتل والسلب فمن باب اولى اعادة صياغتها بفلسفة ” أرض سلاح ..للخلف دور” وتوجيهها للتنمية النافعة ولإعادة الامان للمهمشين والنازحين بدلا من تراصصها بالعاصمة لاستقطاب الهتافات والملهاة والضجر وقبيح القول ..
وتمركز الجيوش بالعواصم والحضر ماجدواها ؟غير انها تزيد من التفلتات الأمنية وتصيب الناس بالهلع والخوف وتسرب الشكوك لاتفاقيات سلام جوبا …ان الالة الحربية يجب ان توجه للبناء والإعمار وحمايه أمن الوطن والمواطنين فهذا هو السلام الحقيقي .
عواطف عبد اللطيف
صحيفة السوداني