(علمتني التجربة)
العنوان الذي اختارَه مركز الفيصل الثقافي للاحتفاء ببورفيسور عبد اللطيف البوني، كان (ليلة ولا كل الليالي) لتكريم تجربته وسط حضورٍ نوعيٍّ من المُثقَّفين والأكاديميين والطلاب وقراء عمود (حاطب ليل).
فيلمٌ قصيرٌ حكى معالم وملامح حياة نادرة وفريدة بين الحقل وقاعات الدراسة، واستديوهات التلفزيون وصالات التحرير الصحفي.
البوني لم تُشكِّله تجربةٌ واحدةٌ، بل هي حزمة تجارب مُتنوِّعة في مجالات مُتعدِّدة أنتجت إنساناً نسيج وحده.
إفاداتٌ ثرَّة وصادقةٌ جادَ بها زملاء البروف في الحقل الأكاديمي والصحفي، وبعض طلاب الدراسات العليا حلَّقت بِنا عالياً.
2
أروعُ ما في الاحتفال، كانت كلمة البوني وهو يلخص بأسلوبه السلس اللطيف تجاربه في الحياة التي أنتجت البوني الإنسان والأنموذج والمثال.
نعم البوني نموذجٌ للمُثقَّف المُرتبط بنُبْلٍ ووفاءٍ للأرض ولأهله ووطنه، وللبسطاء، من يُطلِقُ عليهم البروف عبد الله علي إبراهيم (غمار الناس).
3
مُلخَّصُ تجربة البوني العودة للأرض والزراعة والتعامل معها كأيدولوجيا للخروج من نفق الأزمات لا الاقتصادية فقط، ولكن السياسية والاجتماعية والإثنية التي تجعلنا نتحارب ونتباغض ونصطرع بأيادٍ كثيرةٍ على كعكة صغيرة.
حينما تعلو الزراعة كقناعة أيدولوجية وعقيدة اجتماعية، لن يكون السلاح هو الخيار ولا السياسة بفهم الجدال، و”طقِّ الحنك”، وبيع المواقف والسمسرة في الذمم هي خيار الصفوة للدخول لعالم السلطة والثروة والنفوذ.
4
قلتُ في كلمتي بالاحتفال: نحن تلاميذ نتعلم من تجربة البوني، ونتمنَّى أن نكون من النجباء بأن نُحيي قيماً ومشاعرَ تتجاوز نطاق الذات والأُسْرة ودوائر القُربى إلى رحابة المجتمع الممتد خيراً وعطاءً.
5
علاقتي بالبوني الأستاذ والمُعلِّم والزميل أهم مكتسباتي في هذه الحياة.
وقف معي بدعمه المعنوي والمعرفي، في كُلِّ مراحل عملي الصحفي.
تعاونت معه في صحيفة (الصباحية)، وفي مركز الهدهد للدراسات، وفي الإعداد البرامجي، وفي إنتاج الأفلام الوثائقية.
وحينما كان عليَّ خوض تجربة رئاسة التحرير بصحيفة (السوداني)، تَرَك صحيفة (التيار)، التي كان يكتب فيها، وتنازل عن أسهمه، وجاء ليُعينَني في النهوض بـ(السوداني) من كبوَتها.
لا أخطو خطوةً في حياتي العامة دون الرجوع إليه، يُعاتبني برفق على حماقاتي وأخطائي في الأقوال والأفعال، وحتى على صمتي، عندما يصبح الكلام فرضَ عينٍ وواجبَ ضمير.
6
البوني رجلٌ شفيفٌ عفيف، نظيفُ اليد، سليمُ الوجدان، راجحُ العقل، يضحك وينام كما الأطفال، ولا يغضب إلا للحقِّ ونصرة الضعفاء.
زرتُه في اللعوتة، وزارني في المناقل. علاقتنا تحوَّلت لعلاقة أسرية ممتدَّة، يرشدني للكتب الجديدة، وللمقالات المتميزة، ويلفت نظري للصحفيين النابهين. لم أسمعه يسيء لأحد، ولا يتلذَّذ بالاستماع لما يسيء للآخرين.
7
الناظم المركزي لسلوك بروف البوني، هو ذلك التواضع النقي من شوائب التصنُّع، تواضع طبيعي وطازج بلا تكلف ولا مَنٍّ.
البعض يمارسون التواضع للتجمل الاجتماعي، ويُشعرونك بأنهم يتواضعون تكرُّماً، ويمنُّون عليك بذلك.
عبقرية البوني في الكتابة، تلك المقدرة النادرة في صياغة الأفكار والآراء والمعارف الأكاديمية والحياتية، بلغة تجمع البساطة بالجزالة مع العمق، صباحه في الحقل، ونهاره في قاعات المحاضرات، وليله بين الشاشة والحرف.
حكمة البوني تطوي المسافة الفاصلة من فلاسفة الإغريق: سقراط وأفلاطون وأرسطو طاليس، إلى فرح ود تكتوك والعبيد ود بدر ومكاشفي القوم.
8
لا أعرف رجلاً في زمن تلوَّث فيه كُلُّ شيء، لا يزال نقيَّاً وطاهراً، أبيض القلب، وأخضر (الضراع)، وصافي النية، مثل بروفيسور عبد اللطيف محمد البوني.
بعد غيبة وانقطاع عن الكتابة الصحفية عاد البوني أخضر الحرف ناضر الفكرة كما كان
ليُنشد مع عبد الله شابو:
قلبِي يزيدُ اتِّسَاعَاً
لِكُلِّ البَشَر
وأَغْدُو خَفِيفَاً
تَقيَّاً..
تَسَاقَطَ عَنِّي الصَّدَأ
وأَزْهَرَ فِيَّ الكَلَامُ الجَمَيل
صحيفة السوداني
كتب ضياء الدين بلال :
(نعم البوني نموذجٌ للمُثقَّف المُرتبط بنُبْلٍ ووفاءٍ للأرض ولأهله ووطنه، وللبسطاء، من يُطلِقُ عليهم البروف عبد الله علي إبراهيم (غمار الناس).
….
وكيف تستشهد بقول من تماديت في الإساءة إليه من قبل وحشدت كلما لديك من عبارات الإحتقار والإهانة في هجومك عليه وبوقاحة لا يمكن أن تصدر من إنسان مهذب وعلى خلق كريم !؟
……
ما دمت معجب ببروفيسور البوني
. فلماذا لا تتخلق بأخلاقه السمحة !؟
…..
* المقال الذي هاجمت فيه د. عبد الله علي ابراهبم كان بعنوان (انتهازية البروف)
نعم البروف انتهازي و الحكمة تؤخذ و لو من افواه المجانين
ألم تسمع بصدقك و هو كذوب
لأنكم جديدين في الحياة و الفهم و في اي شء تستغربون من فعل ضياء الدين البلال و لا تفرقون بين الانتقاد و الاساءة