* لا ينطلق كل المطالبين بإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة من منصاتٍ عنصريةٍ أو جهويةٍ كما يتوهم البعض، ولا يمكن تصنيفهم جُملةً كأعداء للسلام ولا تصويرهم كرافضين للاتفاق الموقع بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح.
* تلك المطالبات ليست جديدة، ولم تبدأ بعد توقيع اتفاق جوبا، لجهة أنها لم تستثن القوات المسلحة نفسها.
* تابعنا عبر السنوات مطالباتٍ ملحاحةً، تنادي بنقل القيادة العامة للجيش من قلب الخرطوم إلى خارجها، لجهة أن موقعها الحالي يخنق العاصمة، ويعوق شق الطرقات وتقديم الخدمات إلى المناطق الشرقية منها.
* تمددت تلك الدعوات لتنتقد هيمنة فروع من الجيش على مناطق استراتيجية في قلب العاصمة، وسيطرتها على أراضٍ واسعةٍ، ذات قيمة استثمارية وسياحية عالية، لجهة أنها تطل على نهر النيل في قلب الخرطوم، مثل سلاحي النقل والإشارة وغيرهما.
* تناولت الحملات الرامية إلى إفراغ عاصمة البلاد من المظاهر المسلحة وقوع بعض فروع الجيش في أحياء مزدحمة بالسكان (مثل سلاح المدرعات في الشجرة وسلاح المظلات في الخرطوم بحري).
* سبقت تلك الدعوات اتفاق جوبا بسنوات طويلةٍ، وهي مبررة ومدعومة بمنطق قوي، يستند إلى أن طبيعة العمل العسكري تمنع اقتراب المدنيين من أي منشأة عسكرية إلا بإذنٍ مسبق، وإجراءات محددة ومشددة، تفرضها طبيعة العمل العسكري، وخصوصية منشآت تتطلب تأميناً عالياً، للمحافظة على أسرارها ومعداتها وأسلحتها ومنشآتها الاستراتيجية.
* ازدادت تلك الدعوات تمدداً بعد وقوع حرائق في بعض المنشآت العسكرية، وأدت إلى اشتعال ذخائر وتطايرها وسقوطها في أحياء مدنية، ولم تخطئ قوات الشرطة؛ ذات الطبيعة المدنية، ونجزم أنها تسببت في نقل كلية الشرطة من بري إلى منطقة سوبا.
* دعوات لم تستثن الجيش الوطني وقوات الشرطة، كيف نتوقع لها أن تغفل ما سواهما؟
* لم نطلع على بند الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاق جوبا للسلام، ونستبعد أن يكون قد نص على جلب كل جيوش الحركات إلى العاصمة، وتسكينها في حدائق عامة، ومناطق سكنية تعج بالمدنيين.
* تخلو تلك الخطوة من أي تقدير لتلك القوات، لأن المواقع التي وُضعت فيها تخلو من الخدمات، ولا توجد فيها مرافق صحية تليق بإنسانية البشر، مثلما لا تتوافر على مقرات لائقة للسكن، بدليل أنها فرضت على جنود الحركات أن يقضوا سحابة أيامهم تحت ظلال الأشجار، ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء.
* لا توجد عاصمة في العالم أجمع تعج بالجيوش، وتتعدد فيها المظاهر المسلحة مثلما يحدث في الخرطوم قديماً وحديثاً، وشيوع تلك المظاهر يشي بانعدام الأمن، ويشعر زوار العاصمة بأنها غير آمنة.
* ذلك بخلاف المخاوف المتصلة باحتمال حدوث احتكاكات بين قوات لا تستند إلى قيادةٍ مركزيةٍ، ولا تتوافر على عقيدة قتالية مُوحدة.
* تقليص الوجود العسكري في العاصمة والمدن الكبيرة أمر لابد منه، مع الإبقاء على الشرطة، كي تضطلع بالمهام المسندة إليها أصلاً، وتحفظ الأمن، وتكافح الجريمة، بما يتوافر لديها من عتاد وتدريب.
* لا يوجد عاقل حصيف يتمنى استمرار الحرب، لكن إكمال مساعي بسط السلام لن يتأتى بوضع الزيت بجوار النار، ولا بحشو عاصمة البلاد بالجيوش والأسلحة الثقيلة، والتاتشرات المزودة بالدوشكات.
* نحن مع السلام، وقد استبشرنا باتفاق جوبا وبشرنا به، مثلما احتفلنا بتعيين بعض قادة الحركات في وزارات سيادية مهمة، وأعلنا دعمنا لهم جهرةً، ونتمنى أن تكتمل المسيرة بضم الحركة الشعبية جناح الحلو وحركة عبد الواحد للاتفاق كي يعم السلام ربوع بلادنا، وتسكت أصوات البنادق إلى الأبد، لكن ذلك ينبغي أن يتصل بترتيبات أمنية محكمة، تبقي تلك القوات بمعزل عن الاحتكاك مع المدنيين إلى حين اكتمال عمليات الدمج والتسريح، وتوحيد القيادة والعقيدة القتالية لتلك الجيوش المتعددة.
* ما لم يتم ذلك سيشكل شيوع المظاهر المسلحة في العاصمة مهدداً أمنياً لا يمكن إغفال مآلاته الخطيرة، وتبعاته الكارثية على الأمن والسلم الاجتماعي للبلاد.
* أعيدو النظر في تلك المظاهر المقلقة، ولن تشكل تلك الخطوة العاقلة أي نقض للعهود، ولن تحوي نكوصاً عن اتفاق السلام، وبالعدم انتظروا الكارثة.. عاجلاً أو آجلاً
صحيفة اليوم التالي