(1)
الاستقرار السياسي هو المدخل الأساسي للاستقرار الاقتصادي والأمني ،وهو أول الطريق لبناء الدول ونهضة الشعوب والتنمية، ولكن كيف السبيل إلى الاستقرار السياسي..؟ … كلمة السر الوحيدة التي تفتح الأبواب أمام الدول للاستقرار السياسي هي : (حُسن إدارة الاختلاف)… ولا شك عندي أن الدول التي استقرت سياسياً واقتصادياً وأمنياً ثم نهضت وازدهرت تحكمت في هذه الشفرة ووضعت يدها على هذه الوصفة السحرية ( فن إدارة الاختلاف)… الاختلاف السياسي والعرقي والثقافي والإثني ،ونجحت في إدارة اختلافاتها وتبايناتها بعد حروب طاحنة قضت على اليابس والأخضر…
(2)
أمعنتُ النظر في كل المشاكل التي كانت سبباً في عدم الاستقرار السياسي فوجدتُ أن لسوء إدارة الاختلاف
النصيب الأكبر في تفجير الأزمات السياسية ، وإشعال أوار الحروب الأهلية والنزاعات القبلية ، وخلق المشكلات الاقتصادية ، كما أن حُب الهيمنة واحتكار السلطة والثروة والحق والصواب كل ذلك كان يستولد أحقاداً ومرارات ويخلق غُبناً يغذي حالة عدم الاستقرار السياسي …
هناك حكومات وأحزاب وأنظمة شمولية وقمعية وأيدلوجيات حاولت في أحسن الأحوال إقصاء الآخر ،أما الأسوأ على الإطلاق فكانت محاولات إلغاء الآخر واستئصاله ومحوه من الوجود في إطار صراع سياسي عقيم يستزيد ويستقوى بالفجور في الخصومة..
(3)
فن إدارة الاختلاف هو الشفرة التي تمنع كل تلك الحرائق وتحول دون الانفجار وتنظم الحياة السياسية على نسق متحضر ومتسق مع قيم العدالة، وحقوق الإنسان ، نسق يمنع الاحتكاك ويؤسس للاستقرار الشامل سياسياً واقتصادياً وأمنياً مما يجعل الحكومات تتفرغ لوظيفتها الأساسية من تخطيط استراتيجي لمشروعاتها النهضوية وتنميتها الاقتصادية وحماية حدودها بدلاً عن تشتيت جهود الدولة في الحروبات الأهلية والنزاعات القبلية واستنزاف موارد الدولة في الاستقطاب السياسي وشراء الولاءات وتمويل الفتن والنزاعات القبلية والجهوية وحماية الأنظمة وإهمال الرعية والتنمية.
(4)
السودان بلد متعدد الأعراق ومتنوع الثقافات والإثنيات فليس هناك بد من احترام هذا التباين والاختلاف وإدارة هذا التنوع بطريقة عادلة ومحترمة تؤسس للاستقرار الشامل وتسهم في بناء الدولة ، وأعتقد أن هناك فرصة ثمينة جداً لإدارة هذا الاختلاف والتنوع بحسن التدبير وبمفاهيم وطنية جديدة تستهدف الاستقرار السياسي والبناء الوطني ، ولعل في إعلان المبادئ الذي تم توقيعه مؤخراً بين رئيس مجلس السيادة البرهان ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو بارقة أمل لتحقيق الاستقرار، ولعله هو أول لبنة للبناء الوطني طالما أن هذا الإعلان يرعى «كل» ممارساتنا وشعائرنا الدينية ويحمي هذه الممارسات ويتعهدها بالرعاية ويمنحنا وغيرنا كامل الحرية الدينية ، ويحترم ويرعى الاختلاف فيما بيننا ، وأظن أنه ليس هناك ما هو أفضل للاستقرار السياسي غير هذا، وهذه هي إدارة الاختلاف والتنوع على النحو المطلوب إن صدقت النوايا وحسُن العمل…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة