* من المفرح أن ينتصر منتخبنا الوطني لكرة القدم على نظيره الجنوب إفريقي القوي، ليتأهل إلى نهائيات بطولة أمم إفريقيا لكرة القدم، بعد غياب امتد تسع سنوات، مع أن ظهوره في نهائيات الكاميرون سيمثل غاية المُنى وسدرة منتهى الطموح، ويشكل أكثر ما يمكننا بلوغه وإنجازه حالياً.
* لم يكن مقبولاً أن تتأهل منتخبات جزر القُمُر وغامبيا وبوركينا فاسو وزيمبابوي إلى نهائيات الكاميرون، ولا يتأهل السودان صاحب السبق واليد العليا في تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في العام 1957.
* الفرحة العارمة التي صاحبت التأهل مبررة، عطفاً على واقعنا الرياضي المهترئ، ومستوانا الكروي المنهار، ونتائجنا المتراجعة في كل البطولات القارية والدولية منذ سنوات طويلة.
* إذا عدنا بالذاكرة إلى الماضي سنجد أننا كنا نشكل حضوراً دائماً في النهائيات، ابتداءً من البطولة الأولى التي استضفناها بالخرطوم في العام 1957، بمشاركة ثلاثة منتخبات فقط، هي السودان ومصر وإثيوبيا، بعد أن أصرَّ الدكتور عبد الحليم محمد (مؤسس الكاف) على إقصاء جنوب إفريقيا من تلك البطولة، بسبب اتباعها سياسة الفصل العنصري في ذلك الوقت.
* بلغنا نهائي بطولة الأمم في العام 1963 في مدينة كوماسي بغانا وخسرنا بسبب ظلم التحكيم، ثم فزنا بلقب البطولة في الخرطوم في العام 1970، على حساب منتخب النجوم السوداء القوي.
* تأهل السودان إلى أولمبياد ميونيخ 1972، وكان على مرمى حجر من الصعود إلى أولمبياد مونتريال 1976، كما ظهر في نهائيات أمم إفريقيا لأعوام 72 و74 و76، وتأهل لنهائيات 1978 وانسحب بسبب إعلان الرياضة الجماهيرية بأمر الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمة الله عليه.
* من تلك المحطة بدأ مسلسل التراجع المريع، واتصل بانسحاب قائد رياضي مُلهم من ساحة العمل الرياضي المحلي، ونعني به الدكتور عبد الحليم محمد، الذي حاز سيرةً ذاتيةً أسطورية في المجالين القاري والدولي، بتقلده رئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مرتين، وحصوله على عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، وعضوية اللجنة التنفيذية للفيفا، وتوليه منصب نائب رئيس اللجنة الطبية في الاتحاد الدولي لكرة القدم، وحصوله على وسام الاستحقاق الأولمبي، تقديراً لما قدمه للرياضة العالمية.
* إذا نظرنا إلى ذلك التاريخ الباذخ، لاتحادٍ عريقٍ تأسس في العام 1936، وانضم إلى الفيفا عام 1948، وحصل على لقب بطولة الأمم سنة 1970 لن نعتبر الترقي لنهائيات بطولة أمم إفريقيا إنجازاً يستحق التهليل والتضخيم، لكنه يُعد كذلك إذا تمت المقارنة بالحاضر المؤسف والواقع الهزيل للرياضة السودانية.
* أمس ذرف المحلل الرياضي السوداني محمد الفاتح الدموع داخل الأستوديو فرحاً بالتأهل، ولو جلس في مكانه الكابتن نصر الدين عباس جكسا أو عبد العزيز عبد الله أو سليمان عبد القادر أو السر كاوندا أو علي قاقارين أو عز الدين الدحيش أو بشارة عبد النضيف أو بشرى وهبة أو عبد الكافي وحسبو الصغير وأبناء دفعتهم لما (خلعهم) التأهل للنهائيات ولما أبكاهم، لجهة أنه يمثل أمراً عادياً لنجومٍ كبار، حصلوا على لقب البطولة الإفريقية، ولعبوا في نهائياتها كثيراً، وحققوا أفضل النتائج وأكبر الانتصارات على حساب أقوى منتخبات القارة.
* التأهل المفرح يمثل طفرةً تحدث بين الفينة والأخرى ولا تدوم، لأنها تتحقق بالاجتهادات الفردية والصُدف، ولا تأتي نتاجاً لعمل منظمٍ وتخطيطٍ علميٍ سليم، إذ لا نشهد في العادة تهليلاً لصعود منتخبات مصر والمغرب والجزائر وتونس والكاميرون ونيجيريا وغانا والسنغال إلى النهائيات، لأن وجودهم فيها ثابت ومتصل ولا يستوجب الاحتفاء.
* دموع محمد الفاتح تتناسب مع حصاده وحصاد جيله في عالم الكرة السودانية، مثلما تعبر عن الواقع المزري بلسان الحال، لدولةٍ عريقةٍ في مجال كرة القدم، جار عليها الزمان، فأصبحت تحتفي بما حققه منتخب جُزر القمر الذي انضم إلى الفيفا في العام 2005!
صحيفة اليوم التالي