في مبادرة فريدة من نوعها؛ ليس من بين أهدافها جمع المال، أقبل عشرات الشبان من حملة الشهادات الجامعية، من بينهم مهندسون وأطباء، على غسل المركبات وتلميعها على ضفاف النيل الأزرق- شمالي العاصمة السودانية، الخرطوم.
وتستهدف المبادرة تمويل صيانة المدارس الحكومية، وتوفير الدعم والسلال الغذائية للفقراء في أطراف الخرطوم، حيث تراوح أجرة غسل السيارة الواحدة ما بين (200) و(300) جنيه؛ ما يعادل أقل من دولار أميركي واحد.
ويعتقد هؤلاء الشبان أن إنهاء غسل 12 – 15 سيارة خلال ثماني ساعات يومياً يموّل كلفة تشييد وصيانة المدارس وإعانة الفقراء في عدد من الضواحي، مثل منطقة الوادي الأخضر- شمالي العاصمة السودانية، وهي بلدة تشكّلت من عشرات الآلاف من المواطنين الذين غادروا الولايات صوب العاصمة نتيجة شح التنمية والجفاف الزراعي في مناطقهم الأصلية في عهد النظام السابق، وفق “سكاي نيوز عربية”.
ويتحرك أعضاء المبادرة، التي تضم أطباء ومهندسين وإعلاميين وخريجين وطلاب الجامعات من منطقة الوادي الأخضر عن طريق النقل الجماعي بالحافلة إلى ضفاف النيل الأزرق قرب جسر المنشية شمال العاصمة؛ لاصطياد السائقين الباحثين عن غسل وتلميع سياراتهم ويطلقون عليه شعبياً “جلخ وزبادي”.
ويقول عضو المبادرة محمد الصافي إن المبادرة تهدف إلى توفير التمويل لبرامج دعم الفقراء وإعانة المواطنين في شهر رمضان، وتشييد المدارس التي تضررت في موسم الفيضان.
وتعاني المناطق الواقعة في أطراف العاصمة الخرطوم من شح الخدمات الأساسية وتفاقم الفقر، ما دفع أعضاء المبادرة إلى البحث عن حلول مغايرة تحقق فوائد مالية وتقديم حلول سريعة.
ويقتطع الأطباء والمهندسون من فريق المبادرة جزءاً من يومهم للذهاب إلى شارع النيل لغسل السيارات، حيث يحملون الفوط والأواني البلاستيكية، وينهمكون في تلميع السيارات التي تقصد شارع النيل للتنزه والجلوس على المقاهي.
ويوضح محمد هود (27 عاماً)، وهو مهندس حاسوب، أن المبادرة تبحث عن تمويل مشاريع اجتماعية، أبرزها صرف إعانات مالية على الفقراء بمنطقة الوادي الأخضر، لافتاً إلى أن الشباب قرروا فعل شيء ما لأجل هؤلاء.
واقترح البعض غسل السيارات مقابل تخصيص عائداته للإنفاق على تشييد المدارس وصيانتها وكفالة الفقراء، بحسب هود.
وشجع المناخ الذي يسود في السودان بالتزامن مع الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق، عمر البشير، في أبريل 2019 آلاف الشبان والفتيات على إطلاق مبادرات إنسانية، تتنوع ما بين توفير الأدوية والخدمات الصحية للأطفال وتشييد المدارس وتوفير وجبات مدرسية.
ويقول هود، المهندس المتخصص في برمجيات الحاسوب، أثناء غسله إحدى السيارات، إن الحياة تكون أفضل حينما تتطوع لراحة غيرك لا أن تعتني بنفسك فقط.
ويضيف “البلدان تتقدم بالتطوع وليس بانتظار الحلول الحكومية فقط. يجب أن نسير بمحاذاتها كلما تحركت إلى جهة تحركنا الى جهة أخرى لسد الفراغ الحكومي ماذا نفعل هذه بلادنا ونحبها”.
ويتوقف أصحاب السيارات في شارع النيل عندما يشاهدون تلويح هؤلاء الشبان لغرض غسل تلميع مركباتهم وتخليصها من الأتربة، وكثيراً ما يفضل طالبو هذه الخدمة زيادة أجرة العمل حال معرفتهم أهداف المبادرة.
وتُقدر التبرعات التي تسهم في تشييد المدارس والعيادات الصحية في السودان بملايين الدولارات، ولاسيما بعد أن شهدت البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية أزمة اقتصادية أدت إلى تراجع الخدمات الأساسية التي كانت توفرها الحكومة.
ورغم أن المبادرة تهدف إلى الاستفادة من ريعها في مساعدة الفقراء، لكن في الوقت نفسه تشدّد على أنها صديقة للبيئة بإخلاء موقع الغسل من النفايات وجمعها في صناديق القمامة.
ويحرص محمد أحد أعضاء المبادرة أثناء عمله في غسل السيارة على وضع المخلفات في صندوق القمامة وتجفيف الأرصفة التي تتوقف عليها السيارات من المياه والمنظفات.
ويقول: “لن نتركها هكذا لنعالج مشكلة ونرتكب مشكلة جديدة يجب أن نظهر تحضرنا في كيفية الحفاظ على البيئة والمبادرة تمنع غسل السيارات داخل مياه النيل ونُجلب نحو (25) لتراً لغسل سيارة واحدة من منتجع يقع على ضفاف النيل الأزرق”.
ويفضل باحثو الترفيه والسياحة، التوجه إلى شارع النيل على ضفاف النيل الأزرق ونهر النيل في العاصمة السودانية، حيث شيدت سلسلة مقاهٍ ومطاعم وتتزايد حركة السيارات التي تقل المرتادين بينهم طالبو خدمة الغسيل.
ولا تزال الخدمة اليدوية في غسل السيارات تسيطر على هذا السوق الذي يغري آلاف الشبان على العمل فيه، بينما تنمو باطراد خدمة الغسل الجاف في محال انتشرت أخيرا في العاصمة لا تحظى بالإقبال الكبير لارتفاع أسعارها.
صحيفة سبق