موسم الهجرة الى المعمورة

المعمورة المعنية هنا هو حي المعمورة بشرق الخرطوم الى الجنوب من حي اركويت العتيق
حيث قادتني الصدفة للمرور من هناك قبل يومين في نهار يوم شديد الحرارة والشمس تكاد تسقط فوق الرؤوس .
وكالعادة انقطاع في التيار الكهربائي وفي هذا الحي الهاديء لا تسمع الا ازيز مولدات الكهرباء ومن شدة اصوات المولدات الكهربائية المتداخلة تشعر وكأنك في مصنع لصهر الحديد .
وسط هذا الزحام وجدت في احد الميادين سرادق ضخم يكاد يغطي كل الميدان .وكمية كبيرة جدا من فارهات السيارات تقف بصورة منتظمة امام السرادق ومكيفات الهواء الضخمة التي تئن داخل السرادق تكاد ترسل النسمات الباردة الى كل سكان الحي .

وعدد كبير من الرجال ومن علية القوم يجلسون داخل هذا السرادق وهم يلبسون جلاليبهم البيضاء بل شديدة البياض ولا ينسون حمل العصى والملفحة .. سيارات تغادر واخرى لتوها تقف وهي تحمل في جوفها نفس العينة من الرجال وبنفس الاناقة في الملبس وبعض النسوة لا يقللن عن الرجال في الاناقة .
وهناك عدد كبير من الشباب يقفون في الخدمة لتقديم واجب الضيافة من أطايب الطعام والشراب .

ووقفت للحظات وانا اتامل هذا المنظر وكأنني في حلم وسألت احد المارة عن الذي يجري هنا .. فقال لي هذا منزل الشيخ موسى هلال وهؤلاء اتوا للسلام عليه بعد اطلاق سراحه !!
كل رجال السياسة مروا بهذا المنزل خلال الايام القليلة الماضية حتى الحزب الشيوعي بقيادة الشيوعي المخضرم صديق يوسف سجل حضوره في الدفتر .

فنانون ورجال اعمال وصحفيون حتى الذين كانوا سببا في أعتقاله كانوا هم اول من حضروا للتهنئة وموقف هؤلاء شبيه جدا بموقف شقيق ضحية محطة بنزين السوق الشعبي ام درمان . والذي شارك في قتل شقيقه ثم شارك مع المواطنين الذين قفلوا كبري الفتيحاب احتجاجا على مقتل وكيل الطلمبة وكان حريصا ان يظهر امام الكاميرات ليثبت وجوده ضمن الذين تظاهروا !!

رحم الله فنان الشعب وردي والذي غنى من كلمات الراحل اسماعيل حسن ( شن بتقولو للسال دمعو يبكي قتيلو .. للشايل هموم الناس وهموا العندو غالبو يشيلو ) وكأن شاعرنا الراحل اسماعيل حسن كان حاضرا بيننا في هذه الايام الغريبة والتي يسيل فيها دموع القاتل حزنا على قتيله كما حدث ويحدث فوق كبري الفتيحاب وسرادق المعمورة ويا للعجب .

عدد كبير من الصحفيين زاروا سرادق التهنئة ولكن لم اجد صحفيا واحدا منهم كتب عمودا او مقالا انتقد فيه من قاموا بسجنه قبل اطلاق سراحه ( مش كدة يا صاحب التيار !!) عدد كبير من رجال الاعمال كان حضورا ولم اسمع لهم رأيا عندما كان الرجل في غياهب السجن والانكى والامر من كل ذلك رجال السياسة الذين توافدوا الى هناك زرافات ووحدانا وايضا لم اسمع لهم رأيا ولم ارى لهم احتجاجا ولا موقفا ولا حتى نصف موقف في ادانه اعتقال الرجل لو من باب ( نحن ندين ونشجب ونستنكر اعتقال موسى هلال ) .

فما الذي جد الآن حتى تهرلوا اليه لتقديم فروض الولاء والطاعة ؟ والى اي من مربعات السياسة نضع فيه هذه المواقف المرتبكة منكم تجاه رجل قضى سنوات في السجون بدأت من قبل سقوط النظام السابق وامتدت حتى الى ما بعد سنتين من ثورة ديسمبر .؟
سؤال ظل يؤرقني؟ لماذا كل هذا التهافت من كل الاطياف لكسب ود الشيخ موسى هلال ؟ كنتم تحسبونه جنجويديا مثله ومثل البقية مالذي تغير وتبدل ؟ هل تريدوننا ان نضع كل هذا في خانة الصلح والسلام المجتمعي ونسيان الماضي بكل مراراته وفتح صفحة جديدة بيضاء ؟ هل يمكن هذا ؟

لا اريد ان أنكأ الجراح مرة اخرى ولكن قفل الجرح دون نظافته جيدا قطعا سيؤدي الى إلتهاب الجروح مرة اخرى وقد تصل هذه المرة الى بتر العضو الملتهب والمتقيح حتى يسلم باقي الجسم .

الشيخ موسى هلال رجل له قاعدة جماهيرية عريضة لا شك في ذلك ورجل قبيلة وله كلمة مسموعة جدا وسط قاعدته الجماهيرية وفوق هذا كله وهذه كلمة حق يجب ان تقال فيه انه متحدث لبق وعفيف اللسان وفوق كل ذلك هو يعرف تماما من اين تؤكل الكتف وكما يقولون هم ( بيعرف يلعب سياسة ) وعلى درجة عالية من الثقافة قد تؤهله للقيادة .

ولكي يكون هو في القيادة لابد ان يتم سحب البساط من تحت اقدام بعض قادة الغفلة وهذا ما ستؤكدة الايام القادمة والتي ستكون حبلى بالكثير المثير الخطر . أختم المقال بسؤال اعرف اجابته مسبقا ولن افصح به واترك لكم الاجابة لان اجابة هذا السؤال سيضع خريطة المستقبل بكل وضوح في دارفور .. السؤال ..
السؤال ..ما هو موقف الشيخ موسى هلال من إتفاقية جوبا ؟ اترك لكم الاجابة

وكان الله في عوننا

صحيفة التحرير

Exit mobile version