اختلف المحللون السياسيون والعلماء والمؤرخون في تعريف دقيق لنظرية المؤامرة التي يعتقد فيها الكثيرون، في تفسير أي حدث غريب أو ثورة أو انقلاب على الحكم كلها تعزى لديهم لنظرية المؤامرة (Conspiracy Theory) إذ أن الإعتقاد السائد لدى هؤلاء، إن في العالم مجموعات سرية تعمل لتنفيذ أجندة وأهداف عميقة تؤدي في النهاية إلى حكم العالم بواسطة حكومة واحدة من أفراد ومجموعات عالية الذكاء والتعليم.
نظرية المؤامرة نبعت في ظروف بالغة التعقيد مرتبطة بنشأة ثلاث جمعيات سرية قامت في فترات متباعدة، لكنها في الآخر تجمّعت في تنسيق سري محكم بينها:
الجمعية الأولى هي الماسونية (Free Masonry) والـ(Masons) في اللغة الانجليزية تعني عمال البناء خاصة البناء من الحجارة. نشأت الماسونية في حوالي العام 1425م في وسط أوروبا عندما نظم عمال بناء الحجارة أنفسهم في تجمع (نقابة) تحدد شروط العضوية، وتحدد علاقاتها مع السلطات والزبائن حتى لا يتم ظلمهم بضرائب باهظة من الدولة أو تلقي مبالغ زهيدة من المتعاملين معهم، توسّعت عضوية الجمعية لتشمل كل الحرفيين، تطورت أعمال الماسونية وأهدافها وأصبحت سرية، وتم إنشاء أول محفل لها في لندن في 24 يونيو 1717 وانتشرت محافل الماسونية في كل أنحاء العالم لتضم شخصيات مؤثرة في الحكم في كل دولة، الأمر الذي عمّق نظرية المؤامرة.. شعار الماسونية الزاوية والبرجل (Square and Compasses).
الجمعية الثانية هي (النورانيون) (ILLUMINATI) تأسست في إقليم بافاريا في ألمانيا في الأول من مايو 1776 أسسها العالم الألماني آدم وايزهاوبت (1748-1830) ويقال أن وايزهاوبت تم تكليفه بإنشاء الجمعية بواسطة كبار رجال المال والأعمال في العالم مثل عائلة روتشيلد الشهيرة حتى الآن. وايزهاوبت أنشأ الجمعية من خريجي وطلاب الجامعات الذين يتمتعون بذكاء خارق، أهم شعارات الجمعية كانت محاربة الخرافة والظلامية والغموض المتعمد، ومحاربة كافة الأديان وتأثيرها على الحياة العامة وانحراف الحكومات، يلخصون أهدافهم في (وضع حد لمكائد داعمي الظلم بالسيطرة عليهم من غير إقصاء لهم). تم إصدار مرسوم مدعوم من الكنيسة الكاثوليكية من حاكم بافاريا شارلس ثيودور بمحاربة الماسونية والنورانية واعتبارهما منظمات هدامة غير شرعية وذلك في الأعوام (1784، 1785، 1787 و1790).
يعتقد بعض المؤرخين أن الثورة الفرنسية والحكم النازي والثورة البلشفية في روسيا كلها من صنائع النورانيين وكلها كانت ثورات تحارب المسيحية في فرنسا، ألمانيا وروسيا.
الجمعية الثالثة هي الصهيونية وهي حركة آيدلوجية ووطنية وسط الشعب اليهودي تتبنى إعادة تأسيس ودعم تكوين دولة يهودية وسط منطقة كنعان المقدسة وهي منطقة فلسطين الحالية. ثيودور هرتزل هو مؤسس الصهيونية الحديثة الذي توقع في العام 1898 في منشور له إنشاء دولة إسرائيل في القرن العشرين، وكان له ما توقع إذ تمّ إنشاء إسرائيل في العام 1948م بعد وعد (بلفور) وزير الخارجية البريطانية عام 1917.
كان ذلك سرداً ضرورياً لتكوين ثلاث جمعيات سرية أدت إلى قيام نظرية المؤامرة، التي يفسر بها الكثيرون أحداثاً في كل أنحاء العالم لا يوجد رابط بينها، وكذلك يربط البعض بينها وبين تكوين منظمات وحركات إرهابية تنشر الرعب في كثير من بقاع العالم، وفي الغالب الأعم يتم ربط هذه الحركات بتوجهات إسلامية حتى يتم تشويه دعوة الإسلام السمحاء في العدل والمساواة وحرية المعتقدات والتسامح والتعايش السلمي وعفة اليد واللسان وكف الأذى عن الناس والتكافل ومساعدة الضعفاء وخلافها من القيم والأخلاق الإنسانية السامية التي يدعو لها الإسلام.
يبدو أن مخطط نظرية المؤامرة يمضي منذ الثورة الفرنسية مروراً بالحرب العالمية الأولى والتي بعدها تم إنشاء عصبة الأمم في 1919 ثم الحرب العالمية الثانية، بعدها تم إنشاء الأمم المتحدة في 1945 والتي أصبح فيها مجلس الأمن الدولي حكومة عالمية تحكم العالم خاصة العالم الثالث الضعيف، وأصبح مجلس الأمن يتدخل بقوة خاصة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستعمال القوة العسكرية في مواجهة بعض الدول حتى لو أدى لتغيير الحكم فيها، مثل ما حدث في العراق عام 2003م عندما استغلت أمريكا قرار مجلس الأمن رقم1441 تحت الفصل السابع بدعوى أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، هاجمت أمريكا العراق بقوة عسكرية هائلة تدعمها بريطانيا حتى تمت الإطاحة بحكم القائد الجسور الشجاع صدام حسين، وبعدها اتضح أن العراق ونظام صدام لا يملك أي أسلحة دمار شامل. تم تدمير العراق عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
الآن أنظار العالم تتجه نحو السودان بتركيز شديد بعد ثورته المجيدة التي أزالت الحكم الإسلامي في السودان الذي استمر لمدة ثلاثين عاماً.. تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وأزالت أمريكا كل العقوبات الاقتصادية والعالم يتجه نحو دعم السودان اقتصادياً للحفاظ عليه من الإنهيارحيث تم تفاعل جاد من البنك الدولي وأمريكا بسداد جزء من ديون السودان حتى يكون مؤهلاً للإستدانة مرة أخرى والإستفادة من القروض التنموية والإستثمارية- الحفاظ عليه من الإنهيار لسببين فقط هما من الناحية الأمنية وتهديد السلم والأمن العالميين، والسودان يمتاز بموقع جغرافي مثالي وسط أفريقيا وجسر بين الدول العربية والأفريقية وله حدود تبلغ 6800 كلم حدود برية مع (7) دول إضافة إلى 853 كلم حدود مائية في البحر الأحمر مع السعودية.
السبب الثاني ثروات السودان الهائلة في الزراعة، الثروة الحيوانية، الثروة المعدنية والبترولية، وبه حزام الصمغ العربي المهم لكل دول العالم الأول وينتج 85% من انتاج العالم من الصمغ العربي.
ما يحدث الآن في السودان من خلافات ومحاصصات حقائب سلطة ووجود جيوش عديدة تفوق الخمسة، وحركات لا زالت تحمل السلاح ولها مناطق محررة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، كل ذلك لا يشجع الدول في العالم الأول على المضي قُدماً في دعم السودان والإستثمار فيه، وبما أن هذه الدول لن تتخلى عن تنفيذ سياساتها وأهدافها في السودان وسوف تلجأ إلى الخطة (ب)، إذ أن الخطة (أ) هي دعم السودان والحفاظ عليه في تماسكه في تحول ديمقراطي وحكم مدني مستدام يساعد تلك الدول على تحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية في السودان.
الخطة (ب) إحداث تغيير جذري في ظاهره حكم ديمقراطي وفي باطنه سيطرة من البعد على الحكم، وهو ما ذكرناه في هذا المقال عن أهداف المؤامرة الدولية نكرره هنا (وضع حد لمكائد داعمي الظلم بالسيطرة عليهم من غير إقصاء لهم).
لذلك ندعو لتشجيع العالم بإعمال الخطة (أ) عبر التوافق السياسي بتجرد ونكران ذات وتغليب مصلحة البلاد العليا فوق المصالح والطموح والنزوات الشخصية.
صحيفة الانتباهة