لا عودة إلى الوراء

* فليعلم مدير شرطة ولاية الخرطوم أن الجهة التي يعمل فيها ليست معنيةً بأمر التشريع، ولا دخل لها بِسن القوانين، بقدر ما هي مُكلفةٌ ومُلزمة بتنفيذها كما صدرت من الجهات المعنية بأمر التشريع.
* لا نعرف جهةً تضررت من (سيّء الذكر) المُسمى قانون النظام العام مثل الشرطة نفسها، التي اكتنزت كراهيةً عاتيةً، وحصدت نقداً مُرّاً من النهج المتعسف الذي طُبّقت به المواد المتعلقة بالنظام العام في القانون الجنائي للعام 1991.
* بتلك المواد الجائرة المعيبة، روحاً ونصاً وتطبيقاً، التي تفسر الشك لغير صالح المتهمين انُتهكت حقوق الأبرياء، وأُذلت الحرائر وتمت إهانتهن، وجَلدهن على الملأ بتهمٍ فضفاضةٍ، تتصل بأزياء أغفل القانون (المبُاد) تعريفها بدقّة، وتركها مُعمّمة، لتُفسر على الهوى، وتُستخدم بالمزاج، وتُخصص لتصفية الحسابات، واغتيال الشخصية، وإشانة السُمعة.
* من عجبٍ أن تصدر الدعوة لإعادة تفعيل القانون الجائر بعد ثورةٍ استهدفت تحرير الناس من كل أشكال التعدي على الحريات الشخصية، وبعد أن تنكّرت له الإنقاذ التي سنَّته، وبادرت بنقده وتبيان سوئه، وتعداد مناقصه، وسرد مثالبه علناً، على لسان الرئيس المخلوع في أواخر أيامه.
* لا مجال للعودة إلى الوراء عندما يتعلق الأمر بإلغاء أي قانون ينتهك العدالة، ويزدري حقوق الإنسان، ويأخذ الناس بالشبهات، ويجيز التحسس والتجسس وتسور البيوت، ويدوس على الشعار الخالد (الشرطة في خدمة الشعب)، بالنعل القديم.
* مع ذلك فإننا لا نجيز التهجم على الشرطة كلها لمجرد أن ضابطاً فيها جانبه الصواب في رأيٍ أدلى به حول قانونٍ يرى فيه عاصماً للمجتمع من التفسخ، فالشرطة ليست (عيسى آدم)، وما قاله وجافاه المنطق فيه يُمثِّل رأياً شخصياً، ينبغي أن لا يتخذ ُسلماً للنيل من القوة التي تمثل صمام أمن المجتمع، وحارسه الأول.
* لكي يستقيم الأمر لابد لنا أن ننبه قادة الشرطة إلى ضرورة محاصرة التجاوزات التي تبدر من بعض الأفراد، ومنهم ثلةٌ من صغار الضباط، ممن يطيب لهم أن يتعسفوا في التعامل مع المواطنين، سيما في الارتكازات الليلية، وبعض النقاط التي تقع تحت إشراف ما يسمى (شرطة المعابر).
* لنا مع هؤلاء تجارب مُرة، جعلتنا نشك في وجود عيوبٍ بمناهج التدريب التي يخضع لها هؤلاء الضباط في كلية الشرطة، لجهة أنها صنعت من بعضهم (فراعين) موغلين في الدكتاتورية والتشدد، ولم ترسخ في أذهانهم شعار (الشرطة في خدمة الشعب).
* كفلت الوثيقة الدستورية للمواطنين حرية التنقل، وبالتالي لا يوجد ما يستدعي إيقافهم وإخضاعهم إلى تفتيشٍ مُذل كلما مروا بأحد الارتكازات الليلية، لجهة أن ذلك الإجراء ينبغي أن يستند إلى بلاغٍ مسبق، أو شكٍ معقول.
* حالياً يتم توقيف وتدقيق هوية كل من يقود سيارةً ويعبر بها جسراً من جسور العاصمة الثمانية ليلاً، بما يعطل الحركة، ويهدر الوقت، والويل لمن يقطب جبينه أو يعترض على ذلك الإجراء، لجهة أنه سيُصبِح مهدداً بقضاء ليلته في حراساتٍ لا تليق حتى بالبهائم، ناهيك عن البشر.
* لا مجال لعودة قانون النظام العام، ولا يصح أن تُعلل الدعوة لإعادة تفعيله بتفشي الفجور وتمدد حالات تعاطي الخمور والمخدرات، لجهة أن تلك الأفعال ما زالت مُجرّمة ومحظورةً بأمر القانون الجنائي، ومحاربتها لا تستدعي إعادة مواد موغلةٍ في السوء، استخدمت لإذلال الناس في العهد المباد.
* بالمثل لا يجوز لأي جهة أن تستغل تصريحاً غير موفقٍ للطعن في كفاءة ومهنية ووطنية الشرطة التي تعرضت إلى حملاتٍ تزخر بالغرض، وتستهدف هزها وإضعاف هيبتها، والطعن في كفاءتها، ذلك بخلاف التسرع في إعفاء قادتها، بدليل تعاقُبِ خمسة ضباط على منصب مدير عام الشرطة في أقل من عامين، برقمٍ قياسيٍ يُصنّف قطعاً في خانة السلب لا الإيجاب.
* مع كل المآخذ المحسوبة على الشرطة نذكر بكل اطمئنانٍ أنها مازالت (وستظل) القوة النظامية الأوفر انضباطاً، والأكثر مهنيةً ووطنيةً، والأعلى تمسكاً بإرثها الخالد، كخادمٍ وفِي، وحارسٍ أمينٍ للناس في كل مكانٍ وزمان.

مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version