التجارب التي يكتب الله لنا أن تسترد عافيتها، وتصحح أخطاءها، فسوف ترجع، وتنظر في أخطائها، وتعيد ترتيب أوراقها، وتعمل على تقييم تجربتها تقييما مستندا على ما كانت تقوم به، وعلى ما فعلته.
عندما تفشل، وتفقد ما تملك، ولا يكون أحد مشترك معك في عملك، فقطعا هذا الفشل سببه أنت سواء أدركت ذلك أو لم تدرك.
من الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها الأحزاب السياسية السودانية، والتي إن أرادت ان تنهض، وتطور نفسها أن تعمل على تغييرها هي كيفية تجنيد الأفراد في انتمائها للحزب، فهذه الكيفية ليست أدت إلى إفشال الحزب فقط، وإنما ستؤدي أيضا إلى انقراضه، ومحوه من الوجود.
وذلك لأنها عملت على تسجيل، وجذب عضويتها أولا كيفما اتفق ثم بعد ذلك عملت على تدريبهم على مبادئ وقناعات الحزب، حيث صار انتماء العضوية ليس بسبب مبادئ وقناعات الحزب في الأساس، وإنما بسبب عوامل كثيرة، ومحفزات، وإغراءات أخرى اتخذها الحزب لجذب عضويته، ومن أجل توسيع قاعدته، وبهذه الكيفية يكون العضو ليس منتميا في الأساس لمبادئ، وأسس الحزب، وإنما ينتمي إليه باسمه، وشخوصه، وبأسباب أخرى جعلته عضوا ثم بعد ذلك ينسب مبادئ الحزب وقناعاته إليه.
والصواب هو العكس، وهو أن يكون مدخل العضو للحزب عن طريق إيمانه بمبادئ، وقناعات الحزب التي يتبناها ؛ ليتحقق من ذلك أمرين.
الأول: من أجل الحفاظ على مبادئ الحزب فهو من أجلها انتمى إليه.
والثاني: تثبيت هذه المبادئ إن حدث لها ضعف وزعزعة.
فهذه هي الكيفية التي تجعل العضو يحافظ على وجود حزبه، ويحافظ على مبادئه وقناعاته.
وسيظل على هذا الأساس في قوة، وثبات كلما ازداد عدد عضويته، ويتطور ويواكب، ويستوعب الأجيال تلو الأجيال.
اما إذا كان الانتماء للحزب بأمور أخرى لا تتعلق بمبادئ الحزب، وأسسه، فسوف تكون زيادته، وتوسعته خدعة كبيرة، وقوته مجرد وهم، والحقيقة هي أنه يسير من ضعف إلى ضعف إلى أن يختفي.
وسوف تفتقر عضويته شيئا فشيئا لكل مبدأ؛ لأن المبادئ لم تكن الأساس في الانضمام للحزب حيث أنها أتت لاحقا بعد أمور أخرى.
فعلى سبيل المثال، فإن عضوية حزب المؤتمر الوطني الآن لا تخلو من حالتين، فهي إما أنها قد اختفت باختفاء السلطة أو أنها تقاوم بأساليب، وطرق لا علاقة لها بالمبادئ التي كان يرفعها وينادي بها الحزب.
ليجد الحزب انه سقط مرتين مرة بفشل سياسته في استقطاب عضويته، ومرة بسبب ان من يدافعون عنه الآن يسيؤون لمبادئه.
كل هذا حدث بسبب أن الانضمام للحزب لم يكن من خلال الاقتناع، والإيمان بمبادئ الحزب بل كان من خلال الاستقطاب بأمور أخرى حسب كل عضو، والجهة التي جاء منها، حيث كان استقطاب قطاع الطلاب يرتبط بصورة أو بأخرى بمدى حوجتهم، وتأمين وضعهم سواء أثناء دراستهم أو بعدها، وهذا الأمر، وإن كان يوسع من دائرة الحزب إلا أنه قطعا لا علاقة له بمبادئ، وقناعات الحزب.
ونفس الأمر يقال عن استقطاب قطاع الموظفين، وقطاع أصحاب الأعمال الحرة، وقطاع المرأة.
كل هؤلاء كان لا بد أن يدخلوا للحزب من مدخل واحد هو مدخل الاقتناع، والإيمان بمبادئ الحزب، ولكنهم دخلوا وانتموا إليه بسبب سياسة الحزب الخاطئة، أما إن كانت سياسة الحزب هي الدخول من أجل المبادئ والقناعات فلن يؤثر في الحزب من يدخل إليه وكان له غرض آخر .
فالذين يدافعون اليوم عن حزبهم بأساليب خبيثة تسيء لمبادئه، سبب ذلك أن هؤلاء انتسبوا للحزب اولا ثم بعد ذلك نظروا في مبادئه.
إن البطاقة التي يحملها كل عضو، وجعلت منه عضوا بالحزب ينبغي ان تكون بطاقة للمبادئ، والأسس التي يقوم عليها الحزب.
فإن كانت البطاقة حاضرة، فهي حاضرة بحضور مبادئ الحزب، وإن افتقد العضو بطاقته، فسوف يعمل على استرجاعها من خلال استرجاع مبادئ الحزب.
ففشل الأحزاب، وفشلها في استعادة قوتها ترجع لسياستها التي اتخذتها لانتماء أعضائها إليها.
كان عدد من يحاربون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد يمثل ثلث عدد المشركين، ورغم ذلك جاءته كتيبة مدججة بالسلاح تريد أن تقاتل معه، فسأل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلم أنها من اليهود، فردهم، وقال لهم عليه الصلاة والسلام: ( قولوا لهم فليرجعوا، فإنا لا نستعين على المشركين بالمشركين) فالشاهد من الحديث الشريف أن من تجمعه معك لتحقيق هدف خاص به يتناقض مع هدفك، فلن يكون سندا لك بل سيخذلك إن لم يكن اليوم فغدا.
صحيفة الانتباهة