شهر العسل اللذيذ

سبق صوت البوري المنغم البص’ الذي توقف مع توافد الناس جماعات وفرادى عليه.
يتولى مساعدو السواق إنزال عدد من الشنط وبراميل الشحن فيما تتعالى الزغاريد في بيت العريس المغترب المرتقب القريب رقراقة.
الشاب الوجيه يحاسب السائق فيما تقدم العصائر للركاب.
بعد حين ينطلق البص مجددا مطلقا صافرات التحية ويتجه الحبيب العائد تحف به طائفة من الاهل للبيت فتحضنه والدته وٱخواته وسائر النساء مليا بشوق وحنية بينما تقف مجموعة من البنات في ناحية قصية في خفر فيتقدم نحوهن محييا.
توسط العريس اهل بلدته في حبور والاسئلة تتوالى عن احوال ابناء القرية في الخليج.
سرعان ما ذبح خروفان مكينان وعلت روائح الشواء وتقليب البصل والزيت على النار مكامن الجوع من هجعتها.
في الايام التالية زار الوجيه المحتفى به كبار السن في مواقعهم وٱدى واجب العزاء عبر البلدة.
في الٱمسيات التالية اعتاد الناس اللمة في الحوش العريض وطي معظم الليل في المسامرة.
وكانت الترشيحات تترى للعريس من قبل اسرته واصدقائه اللصيقين مشمولة مواصفات خيار حسان القرية والبلدات المجاورة اللائي درجن على التردد على اخواته بغية العون في المطبخ والظهور على المسرح فالبعيد عن العين بعيد عن القلب.
بعد تقليب الامور انحصرت القائمة على 3 فجاءت تسريبات الغواصات تؤكد ٱن إحداهن تفضل الاستمرار في الدراسة وان الثانية محجوزة تحت تحت لابن عمها المغترب فاتجه والده لمفاتحة اسرة الثالثة التي رحبت بقوة وكانت اجملهن.
اليوم التالي كان الخبر قد شاع وعم القرى والحضر.
إذن تتابعت خطى الاستعدادات تمضي على قدم وساق حتى حلت ليلة الحنة التي تدافع لها الخلق من كل الجهات وكانت ليلة طمبور راقصة بهية بهيجة. وقد ابتدرت شقيقته المرضعة طقوس وضع الحنة وتخضيب اطرافه فالحليب فٱل حسن.
يوم العرس وبعد الفراغ من تقديم الغداء للمدعوين حانت جلسة الجرتق والحريرة والضريرة الضاجة عصرا’ التي سادتها اغان نوبية تراثية قدمتها البارعات في المفاخرة والاعتداد بمكارم العشيرة وبسالة رموزها وافضالهم وفضائلهم مثل
جلتوسه واسانه وٱيقه حمييه ..
اما برنامج الليلة الكبرى فقد جيء بفنان شهير غريد من بعيد فٱبدع وٱمتع.
ضحى اليوم التالي للعرس اخذت السيرة السارة طريقها للبحر تفاؤلا بالخصب والنماء فيما تسعى زمر الشفع عبثا اختراق الجموع للتحلق حول المغنين في جو آسر.
طوال الايام التالية ولياليها كان الناس يلتقون حول العريس في الصالون والشابات عند العروسة بالداخل حيث زف العريس اليها بموكب باذخ.
نحو العاشرة مساء يبدٱ الناس في الانصراف ففي انتظارهم الغداة عمل لا يحتمل التباطؤ.
بعدئذ يتبقى حول العريس ٣ من وزرائه النخبة المقربين فيٱتيهم العشاء الخاص تعلوه دجاجات محمرات فيقبلون عليه بنهم ثم ينصرفون’ وتطل المقولة النوبية الشعبية النابضة ” ال ما اكل دجاجات نسيبته ما اتجوز “! لا طلبات المطاعم ” المهببة ” كما يقول جيراننا المصاروة.
يبقى العريس وحده لحظات ثم يدخل عليه وفد رشيق من صديقات العروس التي تتوسطهن في حياء.
بعد ونسة ضاحكة يتسرب السرب فيخلو الجو للعروسين ويحلو السمر والمبخرة الخليجية الراقية يضوع منها ٱحلى الطيب.
يصحو العروسان متٱخرين وبعد وقت لا يطول يبدٱ توافد الاحباب مجددا ويمتد الانس الرطيب ويظل العريس ملبيا دعوات الولائم كل الايام حتى لم يتخلف بيت عن واجب استضافة العريس المحظوظ.
انطوت الايام سريعة وها هي 3 ٱشهر من شهر عسل رائع ممتد في البلد وسط الاهل الحنان قد توارت وها هو البص يقف في موقع الوصول ذاته والقرية كلها في وداع ابنهم العريس الذي صعد في مقعد امامي جوار السائق يذرف الدمعات الساخنة السخية.
وحدها تخلفت عن الحضور جوار البص العروسة بجانب الحبوبات المسنات وهي اكثر الناس حسرة على وداع ٱعز الناس ..
ترى هل يعود لقرانا بهاؤها الطلي بقضاء العرسان اشهر عسلهم الماتعة في قلب البلد
كما كان الشٱن زمنا بدل الشقق الخالية من الحيوية واللمة ونبض الاهل
.. هل??

دلقو

أنور حمدي – صحيفة ابتحرير

Exit mobile version