جلس الشيخ “ود البشرى” على متن سيارته يتصفّح هاتفه بانتظار دوره في طلمبة الوقود، كانت الساعة تقترب من التاسعة ليلاً، المكان مُضاءٌ قليلاً ومُحتشدٌ بالناس، ولكن لا توجد دورية شرطة بالجوار، فجأة شعر ود البشرى بأحد اللصوص وهو يباغته بضربة ويختطف هاتفه، كانت هنالك دراجة نارية تنتظر اللص على بُعد أمتار، وهربت بهما والهاتف، بعد ذلك تجمّع الناس لمعرفة ما جرى دون أن ينشغل أحدهم باللص الذي كان يتحرّك على مقربة بثقة.
حادثة ود البشرى والتي صارت مُعتادة، هي الأقل خطورة، ثمة حوادث نهب تنتهي بالموت، ويبدو أن اللصوص باتوا في سبيل الحصول على هاتف أو مبلغ مالي، لا يتورّعون عن القتل، يتحرّكون في مجموعات بالليل، وأحياناً في وضح النهار، غير ملثمين، وبالتالي لم يعد أحدٌ آمناً على ماله ونفسه، بالرغم من التمركز الأمني في الجسور والحملات الشرطية التي تستهدف الدراجات البخارية غير المُقننة، ما أثار أهمية ضرورة عودة نقاط بسط الأمن الشامل في الأحياء .
وقد جرت حادثة خطيرة الأسبوع الماضي في منطقة “كافوري” حين اقتحمت مجموعة مسلحة أحد البيوت، وقامت بضرب الأب حتى أغمى عليه وتقييد الأبناء وحبس الزوجة في “الحمام” ونهب ما خفّ وزنه وغلاء ثمنه.
لم ينس الناس بالطبع، الجريمة البشعة التي حدثت لطالب جامعة أم درمان الإسلامية خلال هذا الأسبوع المُثخن بالجراح، ثلاثة فتيان سددوا للطالب عبد العزيز الصادق طعنات مميتة وفرّوا بالهاتف، كما لو أن الهاتف أغلى من روح ذلك الطالب الممتلئ بالطموح، وتنتظره أسرته ليعينها، فإذا بها تنتظر جثمانه في المشرحة، وقد تمكّنت المباحث في وقتٍ وجيزٍ من القبض على المُشتبهين بعد ذلك.
أمس الخميس، أقدم ملثمون يحملون أسلحة بيضاء، بالاعتداء بالضرب على حرم القيادي بالمؤتمر الوطني الحاج عطا المنان، الحبيس في سجن كوبر لأكثر من عام، مما تسببوا في إحداث إصابات على وجه الزوجة وكسر بعض أسنانها، وقام المعتدون، وفقاً لصحيفة “السوداني” بسرقة حُلى ذهبية خاصة بها.
في ولاية الجزيرة، تمت عملية سرقة غير مألوفة للخزنة الرئيسية بمكتب “ود الترابي”، وتمكّن اللصوص من حمل الخزنة بكل مُقتنياتها رغم حجمها الكبير، بعد أن فشلوا في فتحها، وبداخلها أوراق مُهمّة ومبلغ مالي يُقدّر بنحو مليون وسبعمائة ألف جنيه. وحاول اللصوص في البداية كسر الخزنة، لكنها كانت مُحكمة الإغلاق، فقاموا بدحرجتها للخارج، ومن ثمّ حملها على متن شاحنة، اقتحمت المبنى العتيق في الليل.
وقال شهود عيان لـ”الواحة”، إن اللصوص حفروا تحت الأرض لإطارات السيارة لتصبح على مستوى الخزنة التي يعود تاريخها لأكثر من خمسين عاماً، وأضاف الشهود: “ربما يكون اللصوص قد استعانوا بونش لرفع الخزنة التي تزن عشرات الأطنان”، وهي الحادثة الأولى والأكثر غرابةً لعملية سرقة تحدث لمستودعات تخزين النقود في مشروع الجزيرة.
ربما يتساءل الناس، عن انتشار حوادث السرقة والنهب المسلح بهذه الصورة المُروِّعة؟ لا توجد إجابة محددة، ولكن البعض يعزي ذلك لتردي الأوضاع الاقتصادية، لدرجة أن كثيراً من الأسر لم يعد لديها ما تأكله، فعندما يفقد الفقراء الطعام، يفقد الأغنياء الأمن، بيد أن هذا الاعتقاد لا ينسحب على الجميع بطبيعة الحال، فما أكثر الأسر السودانية المتعففة، لكن ثمة من يردد أيضاً بأن انتشار حالات الإدمان بكثافة وسط الشباب خلقت حالة احتياج دائمة للمال، حيث يحتاج المدمن إلى ما لا يقل عن “5” آلاف جنيه في اليوم، وبالتالي لا يتورّع عن الحصول عليها بأي الطرق.
الراجح أنّ انتشار الجرائم وعمليات السرقة ربما يكون بسبب خروج آلاف المجرمين من السجون مؤخراً بالعفو العام، حيث تبنت عضو مجلس السيادة عائشة موسى، مبادرة لإطلاق سراح دفعات من المساجين، وبعضهم “مُسجّل خطر”، وسبقتها مبادرة صحيفة “التيار”، وأغلب هؤلاء عندما خرجوا وجدوا الضائقة المعيشية قد استحكمت حلقاتها، وليست لديهم أعمال متاحة لكسب العيش، ما اضطر بعضهم في الغالب للعودة إلى مهنهم الأولى، وحدا ذلك بترديد العبارة الشهيرة “انتبهوا أيها السادة”.
الواحة- الخرطوم