(1 )
المستر آرثر جتسيكل آخر محافظ انجليزي لمشروع الجزيرة، بعد أن سرد قصة نشأة مشروع الجزيرة من الألف الى الياء، قال ان المشروع عبارة عن شراكة بين ثلاثة الأول نشط، والثاني ذكي، والثالث أصم. فالنشط هو الحكومة، والذكي هي الشركة، والأصم هو المزارع. وفي مناسبة أخرى وصف المزارع بانه عبارة عن ترس في ماكينة (cog in a machine) لذلك استغرب جيتسكل عندما قال له الشيخ أحمد بابكر إزيرق (نحن عاوزين نشوف الناس البشتروا قطنا دا عشان نبايعهم يفتح الله يستر الله ). فقال إن الوعي بدأ يدب وسط المزارعين، ثم جاء إضراب 1946 الذي قاده الشيخ مبارك أحمد دفع الله، وتطورت حركة المزارعين الى أن وصلت ذروتها في اتحاد مزارعي الجزيرة بقيادة الشيخ الأمين محمد الأمين.
(2 )
أن يكون المزارع غائبا عند نشأة المشروع، فهذا أمر مبرر نسبة لما عليه الوضع قبل المشروع، وان يتطور الوعي الى أن يصل مرحلة الاتحاد ايضا شيء طبيعي لتطور الوعي المجتمعي والسياسي في البلاد كافة وفي الجزيرة خاصة، ولكن ان يتوقف الأمر عند الاتحاد فهو غير كافئ لتمثيل المزارع لأن فكرة الاتحاد قكرة مطلبية في مواجهة مخدم، بينما مزارع الجزيرة وصل مرحلة يجب ان يكون هو المخدم لأنه المالك لأدوات الإنتاج –حتى الأرض بوضع اليد أصبحت مملوكة له ملكية منفعة –لذلك من غير المعقول عدم إشراكه فيما يدور في المشروع . من غير المعقول بعد مرور مائة عام إلا أربعة يجري المزارع خلف عربة رئيس الوزراء من التكينة الى المعيلق وهو يطالب بسعر تركيز مجزٍ للقمح !!! يا أخوانا القمح دا حق منو؟
(3 )
جميل أن يتحدث الناس عن تطوير مشروع الجزيرة، وجميل ان يقتنع الجميع ان الزمان قد تغير وأن البلاد قد تغيرت وان المشروع كي يقدم المطلوب منه لابد من تقانات حديثة في الري والزراعة ولابد من أسس إدارية جديدة، بل لابد من شركاء جدد من الغرب ومن الشرق (يا ربي ناس نتنياهو كيف ؟) وعلاقات إنتاج مواكبة، ولكن كل هذا لن يكتب له النجاح إذا كان المزارع غائبا، لابد من وجود مؤسسة تمثل المزارع وتعطيه مكانه الشرعي (سيد حق) بغض النظر عن اسم المؤسسة روابط منتجين روابط مياه اتحادات مزارعين سمها ما شئت شريطة ان تأتي من القاعدة وبانتخابات مباشرة دون أي لعب أو فهلوة . الجزيرة عرفت الانتخابات الخاصة بها مع أول انتخابات قومية في البلاد في منتصف القرن الماضي . يمكن ان تجرى انتخابات مباشرة في كل الجزيرة في ضحوة واحدة مع تطور وسائل الاتصال . احذروا تغييب المزارع في أي خطة إصلاحية واحذروا أكثر سرقة اسمه ومحاولة تكييشه . ان أي سياسة فوقية لن تمشي في أرض الجزيرة . ان جماعة سيرته الأولى وموت المشروع وتمويل الحكومة يجهلون ما يجري داخل المشروع من متغيرات . فالجاهل من ظن الأشياء هي الأشياء.
(4 )
بعد عزيزي القارئ قد أطلنا الحديث عن مشروع الجزيرة هذه المرة ليس تعصبا للجزيرة إنما تعصب لكل السودان، فمشروع الجزيرة لكل السودان لأنه يشرب من حصة السودان، وأنه حمل السودان لنصف قرن من الزمان وظل محمولا على ظهر السودان لنصف قرن من الزمان، لذلك لابد له من سياسة قرنية جديدة محورها المزارع
صحيفة السوداني