عندما نقول ان من حق الحركات البقاء فى الخرطوم أو أي جهة داخل السودان كأننا نتحدث عن جهة ما تسلبهم هذا الحق أو تحرمهم منه . أما المعلوم بالضرورة ، والماثل واقعاً ، والثابت في دفتر قيم المواطنة أن من حق أي سوداني العيش في أيما موقعٍ يتخيره داخل أرض السودان ، إتباعاً للقول بالفعل ونحن نردد ملء وجداننا كلُْ أجزائه لنا وطناً.
قبل أكثر من شهر تقريبا وفي احتفال لرجال أعمال كرموا فيه القوات المسلحة أكد سعادة الفريق أول البرهان انهم سيعملون على ترحيل القوات المسلحة خارج العاصمة ، فى إشارةٍ إلى أن ذلك هو الوضع الطبيعى ، ويومها لم نسمع أي أحد من المدنيين بكافة اطيافهم أو العسكريين يحتج على فكرة إخراج القوات المسلحة خارج العاصمة ، إذن لماذا تحتج الجهات الأخرى عندما نتحدث عن نقلها إلى أي جهة ؟ .. لماذا نوقظ حساسيةً لا مكان لها ، ونرسل رسائل مشوشةً وضارةً تهدد لحمة قوات الوطن الواحد ونحن في الخطوة الأولى لتنفيذ الترتيبات الأمنية رسائل تجعل بعضنا يستشعرون بأنهم مواطنين أقل درجة ، وان جهات ما تستهدفهم وتعمل على إخراجهم من العاصمة ، وأنهم غير مرغوب فيهم ؟ .. أي مصلحة يكرسها هذا التناول وفي هذا التوقيت تحديدا ..
لقد حققت البلاد سلام جوبا بعد مخاض صعب ، وظل هدفه الأسمى يتمثل في وقف الحرب الى الأبد ، وإزالة الشكوك وطرد الأوهام وبناء الثقة نحو وحدةٍ وطنيةٍ مستدامة ، ومن ثم تهيئة بيئةٍ تتنفس العافية تمهيداً لجني ثمرات السلام..
ومما لاشك فيه أن لسان الحكمة والكلمة الطيبة هي الداعم الأفعل لخط السلام الإيجابي والعكس صحيح .. وطبيعي أن اتفاق الترتيبات الأمنية تعرف تفاصيلة الأطراف الموقعة ، كما يعرف العسكريون من الطرفين كيفية وماهية الخطوات قبل وأثناء وبعد . كيف تدمج القوات.. كيف تتم السيطرة والقيادة . ماهي الرسائل والبيئة المعنوية والنفسية التي تساعد على تحصين القوات من العمل المضاد.. ماهي المخاطر التي تحدق بهذا العمل التأريخي الجبار الذي عرف بالترتيبات الأمنية.. وفقط تصور معي كيف يمكن أن يستوعب الفرد الجندي القادم من الحركة الشعبية أو من الرفاق تحت قيادة السيد مني كيف يستوعب حديثنا عن الدمج والوطنية والانخراط مع رفاقهم فى القوات المسلحة عندما يسمع من جهات عليا ان جهات أخرى لا ترغب فى بقائه بالخرطوم ! .. أما الحقيقة البينة أنه ليس من أحد يكره أحد .. وتظل التناولات الحساسة المتعلقة بالترتيبات الأمنية مكانها الغرف المغلقة ، وإلا كيف تكون ترتيبات أمنية ؟ .. إن ضريبة السلام لاتحتاج فقط إلى ميزانيات ، من حيث كون الميزانيات يمكن توفيرها لكن ميزان الكلام هو المشكلة ، ولرب كلمةٍ واحدةٍ اوحرف دمر وحرق مجهودات اضعنا فيها سنين عددا.. القوات المسلحة والدعم السريع وحركات الكفاح كلها خرجت من رحم هذا الوطن لا من رحم وطن آخر ، ويبقى النجاح رهيناً بصبر القيادات والتحمل والتركيز على الخطاب السليم الذي يحمل رسائل تعمق التلاحم وتنأى عن الكراهية ، وتؤسس لدولة المواطنة والقانون.. إن من أهم ركائز نجاح الفترة الانتقالية هو وحدة وتماسك المنظومة الأمنية والعسكرية بكل مكوناتها وهو أمرٌ يجب التعويل عليه بافتراض أن مصير البلد ونجاح الفترة الانتقالية يرتكز على وحدة المنظومة العسكرية والامنية ، ولن يكون مفيداً تقديم صورة للرأي العام مفادها أن قوات الكفاح المسلح أو غيرها غير مرغوب فيها لأن سلام جوبا الأخير يختلف عن أي إتفاق سابق ، ولأنه جاء بعد حرب ضروس قضت على الأخضر واليابس ، وفقدنا فيها ما فقدنا من أرواح عزيزة .. وهو اتفاق يقوم على الحقائق والشفافية والوضوح..
لا أحد يكره أحد . نحتاج إلى بسط ثقافة السلام حقا فالبلاد لا تحتمل.. نحن العسكريون نجتهد ولايقل حرصنا عن المدنيين في التركيز على الوصول بالفترة الانتقالية إلى مبتغاها فى الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة…
نعم كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به … ونفتخر
صحيفة السوداني