الصعود السياسي للقبلية مؤخرا سببه الأساسي هو الإقصاء الذي مارسته أحزاب قحت على القوى السياسية.
أصبحت الساحة السياسية مسرحا للعسكر و زعماء المليشيات و زعماء القبائل، و أصبحنا نرى المطالب السياسية تصدر باسم القبائل.
نظام الإنقاذ رغم مساهمته في هذا الوضع و لكنه مؤخرا أعطى مساحة واسعة للأحزاب للمشاركة في السلطة و القرار السياسي عبر الحوار و التحالفات. جاء نُشطاء قحت و تنكروا لإرث المؤتمر الوطني في المساومات السياسية و تقاسم السلطة، و أرادوا أن يحتكروا كل شيء. و النتيجة هي عودة القبيلة إلى السياسة بقوة.
لمنع انزلاق السودان نحو المزيد من الجهوية و القبلية لابد من مبادرة سياسية لبعث الحياة السياسية على أساس الانتماء الفكري و البرامجي. السلطة الانتقالية بدلا من إقصاء الأحزاب السياسية عليها أن تدعوها لحوار وطني لملء الفراغ السياسي الكبير الذي تشغله العصبيات الجهوية و القبلية، فأن تتحاور مع مئة حزب خير لك من أن تتفاوض مع زعيم قبلي أو تاجر حرب.
من البداية، التسوية مع الإسلاميين كانت أفضل من الاستقواء بمليشيات حميدتي و العساكر الطُرش. الاسلاميون على الأقل لهم رؤية لحكم السودان يمكن أن تصل معهم لتسويات سياسية معقولة و مفيدة. ( و لكن ما هي التسوية التي يمكن أن تعقدها مع العساكر و ما هي نتيجة شراكتهم ؟ )، و نفس الأمر بالنسبة للأحزاب التي كانت في مشروع الحوار الوطني. هذه قوى يُمكن التفاهم معها سياسيا و التوافق على خارطة طريق للخروج بالبلاد الى بر الأمان.
و لكن هذه رؤية كانت شبه مستحيلة على عقول القحاتة و قطيعهم الكبير.
و على أية حال، فإن هذا الوضع المتشرذم لا يُمكن الخروج منه إلا بتوافق سياسي يتجاوز أفق وثيقة كورنثيا الضيق، و يعيد الأحزاب السياسية إلى صدارة المشهد من جديد. و إلا فإننا سنشهد المزيد من القبلية و العشائرية و هو ما سيعني تفكك السودان.
حليم عباس