(1)
قبل بضع سنوات أثارت صحيفة الصيحة قضية في غاية الحساسية والخطورة وهي شراء رجال أعمال أجانب من دولة جارة قطناً من السودان بالجنيه السوداني وبالبيع الآجل كمان يعني بـ «الدين»… والموضوع مرَّ كأن شيئاً لم يكن مثله مثل كثير من القضايا الخطيرة التي اُثيرت في الصحف ولم يلتفت إليها أحد … والآن الحديث يتصاعد حول سيول العملة السودانية المزيفة التي تطبع خارج السودان وداخله بكميات مهولة وهي وحدها قادرة على إحداث انهيار شامل في الاقتصاد السوداني وفي أقل من عامين والتي يتردد أنها تُوظف لشراء منتجات سودانية يتم بيعها خارج البلاد بالعملات الصعبة…
(2)
في كل يوم نطالع أخباراً ومقاطع فيديو تشير إلى التدفقات الكبيرة في العملة السودانية المزورة والتي تدخل الأسواق السودانية بكميات مذهلة …هذه العملات المزيفة كانت ولا تزال تمثل روافد حية تصب في برك ومستنقعات أسواق العملات بكل نتانتها وقذاراتها… سيول الضبطيات لا تكاد تنقطع ففي كل يوم نسمع ونرى مشاهد ضبط عملة مزورة من فئات العملة الوطنية المختلفة …
مشاهد توجع القلب وتثير الآلام وتُكدِّر النفوس وتُدمي الفؤاد وتصليه إحباطاً والحكومة تتفرج على هذه المشاهد المحزنة وتنظر نظرة المُقعد العاجز الذي لا حول ولا قوة له…
(3)
في لقاء محدود جمع بين بعض الكتاب الصحافيين ووزيرة المالية السابقة الدكتورة هبة محمد علي، أقرت بخطر تزييف العملة ، وهي بالطبع تدرك أنه لا حل لهذه المعضلة وإبطال مفعول هذا السلاح القاتل الذي يتم توجيهه بمكر ودهاء إلى صدر الاقتصاد الوطني إلا بتغيير العملة، ولكن مع ذلك اعترفت الوزيرة بأن الحكومة لن تستطيع تغيير العملة لأن هذه الخطوة تُكلف الحكومة 600 مليون دولار وأنها – أي الحكومة- «مُفلسة» لا تمتلك هذا المبلغ لتعمل على تغيير عملتها وتمنع التزوير… هكذا استسلمت الحكومة لتزييف عملتنا الوطنية القادم من خارج الحدود ومن الداخل لأنها لا تملك كُلفة تغيير العملة..
(4)
تخيلوا معي أن دولة كاملة السيادة ولها ما لها من الموارد والطاقات تُساق إلى حتفها عن طريق تزييف عملتها الوطنية لتختنق بالتضخم وانفجار اسعار العملات الأجنبية واشتعال الأسواق بالغلاء والضائقة المعيشية وانفلات أسعار السلع وهي تُدرك أنها تُساق إلى الهلاك المحتوم ثم أنها تستسلم لهذا النوع من الموت والانهيار الشامل بحجة أنها لا تملك «ثمن» العلاج… والحق أن هناك آلاف الطرق لتوفير 600 مليون دولار لتغيير العملة وقطع الطريق أمام هذه المحرقة التي نُساق إليها تحت سمع وبصر هذه الحكومة العاجزة….
الحقيقة التي بات الناس يرونها رأي العين أن أكبر خطر يتهدد أمن واستقرار البلاد ومعاش الناس اليوم هو ذلك الطوفان من العملة المزيفة في أسواقنا في ظل العجز والشلل الكامل الذي تعاني منه الحكومة إزاء هذا الخطر، ولعل الناس أيضاً يدركون أن العلاج هو تغيير العملة ولا سبيل سوى ذلك…. اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة