(1) الراحل الجميل فضل الله محمد.. اسم لا تخطئه العين إلا من عمي.. ولا الأذن إلا من صمم.. فهو أسم ملء البصر والفؤاد والوجدان.. شاعر مختلف ومجدد، كما أنه كاتب صحفي مهول وله مدرسته الكتابية التي تعبر عنه كمبدع صاحب وجدان أخضر.. في هذه المساحة نتوقف عند سيرته الذاتية التي وثق لها المبدع معاوية حسن يس. (2) وبعد سنوات عُيِّن رئيساً لتحرير صحيفة “الصحافة” المؤممة. وبقي في منصبه حتى تم تعيينه رئيساً لمجلس الإدارة إلى جانب رئاسة التحرير. وبعد تنحِّيه عن العمل إثر انهيار نظام الرئيس نميري في 1985، قضى فضل الله محمد فترة في الاعتقال الذي تلا التغيير السياسي المذكور، ثم أصدر صحيفة “الخرطوم” في العاصمة السودانية العام 1988. (3) كان أول عهد فضل الله بمهنة الصحافة حين كان طالباً في المرحلة المتوسطة. فقد طلب أحد أهالي قرية الشريف يعقوب، القريبة من الرهد على النيل الأزرق، من فضل الله أن يكتب له مظلمته في مقال لتنشره مجلة “السودان الجديد”. ومع أن الرسالة نشرت في باب “السودان الجديد وراء شكواك”، وبتوقيع صاحب المشكلة وليس كاتبها، ألا أن ذلك أغرى الصبي الصغير بإرسال مقالات أدبية إلى صحف الخرطوم. وسرعان ما أضحى قلمه من الأقلام المُعتادة في صفحات رسائل القراء والأبواب الأدبية المختلفة. فاختار أن يوقع رسائله ومقالاته باسم “فضل الله بن الجزيرة”. كان ذلك مدخله إلى المهنة التي صار علماً من أعلامها بلا منازع، مثلما هو علمٌ من أعلام شعر الغناء وفنونه في السودان. (4) وعلى الرغم من إقلال فضل الله في الإنتاج الشعري، إلا أنّ قصائده أحدثت أثراً كبيراً في الشعر الغنائي ومسار الأغنية السودانية المعاصرة. ورغم أن شهادتي فيه مجروحة – لكونه أستاذي الذي تعلّمت على يديه مهنة الصحافة، ولكوني من أشد الناس إعجاباً بأعماله الشعرية الغنائية، إلا أن فضل الله – بلا شك – كان أول رُوّاد التنوير والتغيير في الأغنية حين بلغت عصرها الذهبي. فقد جاء بمفردات شعرية جديدة، وطوّع تعابير دارجة بين العامة لتكون اصطلاحات في قاموس تصوير العاطفة والخلجات. وتميز بعفوية وتلقائية في النظم جعلت قصائده الموضوعية – كأغنياته الوطنية – مُفعّمة بالصدق، وصادقة في تصوير حال من يُخاطبهم الشاعر ويتحدّث عنهم وعن همومهم وتطلعاتهم. (5) كان فضل الله موعوداً منذ بداية حياته بحياة ناجحة في الغناء والصحافة. وأتاح له مولده في مدينة تعد الثانية بعد العاصمة الخرطوم إطلاق العنان لموهبتيه منذ فترة مبكرة.. حيث كانت تنتظم مدني فرقتان تعنيان بالغناء والتمثيل. الأولى هي فرقة “أصدقاء الجزيرة” التي كانت تضم الفنان محمد الأمين حمد النيل، وعلي إبراهيم (وهو مطرب لم يحظ بالشهرة التي حُظي بها المطرب المعروف الذي يحمل الاسم نفسه)، والموسيقار محمد آدم المنصوري، وعدداً آخر من الموسيقيين. والثانية هي فرقة “أصدقاء الفن”، وكانت تضم المطربين حسن عجاج، ومحمد مسكين، وأبو عركي البخيت، والشاعر فضل الله محمد، وعدداً من الموسيقيين والفنانين الشعبيين والممثلين.
الخرطوم: (صحيفة الصيحة)