* يدور هذه الايام حديث قديم متجدد حول الشخصية السودانية في عدد من المواقع، ومن المفيد أن تتسع دائرة المشاركة بالنشر والتعليق.
يقول الكاتب على يسن: “خللٌ جوهري و عُضال في الشخصيّة السودانيّة، هو ما يقف وراء تاريخ الفشل المتناسِل في الدولة السودانيّة منذُ بدايات تشكُّلها في عهد السلطنة الزرقاء وحتى هذه اللحظة، تضافرت على إنتاجه طائفة من العلل غير المحصورة، لعلَّ أهمَّها على الإطلاق “الإحساس بالدونيَّة” الذي ظلَّ كامناً في أفئدتنا منذ أجداد الأجداد، والذي ألجأنا إلى سلوكٍ تعويضيٍّ تمثَّل على الدَّوام في تضخيم الذات وادِّعاء الشرف والنَّقاء والبطولة وكرائم الأخلاق كلَّما أطبق على أنفاسنا إحساسُ الدونيّة المُمِضُّ هذا !
لقد ورثت الشخصيّة السودانيّة أسوأ ما في جذريها (العربي/ والأفريقي الزنجي)، فمن العرب أخذنا “كارثة” الفخر بالأنساب “التي ليس فيها ما يُغري بالفخر” والبكاء على أطلال الماضي حدَّ العبادة، وادِّعاء كل ما نفتقر إليه من صفات؛ المروءة، الكرم، الصدق، الشجاعة، إلخ، وورثنا “ضعف التديُّن وانحصاره في الشكليات والصوتيات لا غير!
* يزعُم المنجمون الذين (ألفوا) تاريخنا أنّ العرب جاءوا إلى السودان كدعاة إلى الإسلام، بينما يؤكد التاريخ الأكثر موضوعيَّة أنَّ العرب جاءوا سعياً وراء المرعى أو بحثاً عن فرص حياة جديدة أو هرباً من مطاردة خصومهم من حكَّام الجزيرة العربيّة، وأنَّ معظمهم لم يكن يحمل من الدين إلاَّ قشوراً يشهدُ بذلك كتاب طبقات ود ضيف الله الذي يعتبر أقدم وأوثق أثر تاريخي/ اجتماعي في السودان.
* ومن أجدادنا الأفارقة ورثنا ضعف الهمم وتواضع الطموح والافتقار إلى روح المغامرة والرضاء بمعيشة الدواب، وهي صفات لم يرثها أجدادنا عن أسلافهم بناة أقدم حضارات التاريخ في كوش ومروي ونبتة، بل اكتسبُوها من اختلاطهم بقبائل أفريقيَّة وافدة من الجنوب والغرب الأفريقيين، فضلاً عن اختلاطهم لاحقاً بالعرب.
* فإذا ما زاوجنا بين أسوأ صفات العرب الوافدين وأسوأ صفات الأفارقة المقيمين، وجدنا ضعف التديُّن عند العرب يختلط بطقوس السحر والشعوذة عند الأفارقة لينتجا مؤسسات الدجل الديني المتسيِّدة على جُلِّ تاريخنا الديني منذ السلطنة الزرقاء مروراً بالمهديّة ثم عهد المتأسلمين!
* ترى ذلك التدين المشعوذ يتصدر المشهد منذ قرون مضت، حيث كان ملوك الفونج يرجُون من الفقراء (مشائخ المتصوِّفة) ما لا يرجونه من جيوشهم في هزيمة أعدائهم وحماية عروشهم، وعلى عهد المهديَّة كان يكفي أن يقول أحد الخبثاء للخليفة عبدالله إنَّهُ رآهُ في المنام بجوار النبي، حتَّى يقرِّبه الخليفة ويجعله من خلصائه،وهذا عين ما ظلَّ يحدث إلى أيام البشير، تذكرون ذلك الدَّجَّال الذي حكى للبشير ونافع على ملأ، أنَّهُ رأى في منامه النبي ممسكاً بيدي البشير ونافع، فتعالى تكبير الأحمقين ومن حولهما، ولا شك أن ذلك الكذّاب نال رضاءهما وبعض أوساخ الدنيا.
نحنُ بحاجة قُصوى إلى معرفة (من نحنُ) بعيداً عن “الساس، والراس و إكرام الضيف وإشباع الطير.. إلخ”، والادّعاء الأجوف. نحنُ بحاجة إلى أن ننسى تاريخنا كلهُ، لأنَّهُ تاريخٌ مزوَّر، يصف ضحايا التخطيط الحربي الساذج الأبله في كرري بأنّهم “شتَّتُوا كُتَل الغزاة الباغية”، ويصفُ ملوك الفونج الذين أصبح آخرهم مجرَّد “شيخ حلَّة” لإسماعيل باشا يجمع له الضرائب، بأنهم أبطالٌ صنعوا دولة، ويصفُ بعض الأفنديَّة الذين درَّبهم الانجليز ليتولُّوا إدارة السودان بدلاً عنهم حين سئموا هذه البلاد وخرجوا باختيارهم، يصفهم بأنّهم (أبطال الاستقلال)!
* نحنُ بحاجة قصوى إلى أن نتذكَّر شيئاً واحداً، هُو أنّنا إن لم ننس “قبائلنا” وضغائننا الاثنيَّة وثاراتنا القديمة ، أو نقوم بتصفيتها “بالقانون أو بالعُرف” ونتصرَّف بعد ذلك كأمّة واحدة فلن نبارح فشلنا التاريخي.
* يجب أن ننسى ما فعلناه ، لأننا لم نفعل شيئاً، و أن نتذكَّر ما يجب أن نفعله ، وإلا لن تقوم لنا قائمة.
* يجب أن نضع أنفسنا جميعاً في “معسكر” للعلاج النفسي، فهو السبيل الوحيد لإيقاف مسلسل الفشل والخيبة.
زهير السراج – صحيفة الجريدة