ومن وقائع الدافوري المسمى في بلادنا بكرة القدم، كان الرئيس الأسبق لنادي الهلال – الأمين البرير – قد اعتدى على حكم مباراة الهلال والترجي التونسي بالضربة القاضية.. وبعدها، سألت الصحف خبيرنا العالمي كمال شداد عن العقوبات المتوقعة، فأجاب: (للأسف لا أستطيع التكهن، قوانين الفيفا لا تحمل نصاً يعاقب رؤساء الأندية في حال ملاكمتهم الحكام، ومن أعدوا قوانين الفيفا لم يتوقعوا أن يحدث مثل هذا في عالم كرة القدم)..!!
:: وهكذا واقع الحال في كل مناحي الحياة السودانية، بما فيها إدارة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، بحيث لا يمكن لأي عبقري التكهن بما قد يحدث في مسارات قضايا هذه المؤسسات والأجهزة، لأنّ الأحداث غير المتوقعة هي الأكثر حدوثاً.. وعلى سبيل المثال، بالأمس أصدر محافظ بنك السودان بالإنابة قراراً بإلغاء قرار المحافظ الخاص بإعادة العاملين الذين فصلتهم لجنة إزالة التمكين..!!
:: ربما يدار بنك السودان بقوانين (بيوت العزابة)، وقد حدثتكم عنها في ذات زاوية، بحيث أول من يستيقظ يتولى مسؤولية إعداد الشاي وكنس الحوش وغسل العِدّة و(توضيب الفتّة)، ثم يجمع المبلغ من رفاقه ويذهب إلى السوق ثم يعود ويجهز (حَلّة الغداء)، أي يصبح هو المدير العام ليوم العطلة.. ومع غياب المؤسسية، فإن حال بنك السودان كما حال (بيوت العزابة)، بحيث من يستيقظ يصبح محافظاً و(يصدر قراراً)..!!
:: ولو سألت كل علماء وخبراء الإدارة في العالم عما قد يحدث في أزمة بنك السودان، لما تكهن أحدهم بأن نائب المحافظ سوف يلغي قرار المحافظ، ولكن هذا ما حدث في موطن الغرائب والعجائب (بلادنا).. فمن الطبيعي أن يتم إلغاء قرار المحافظ بقرار صادر عن المجلس السيادي أو مجلس الوزراء أو وزير المالية، باعتبارهم يمثلون (سلطات عليا)، ولكن أن يتم إلغاء قرار المحافظ بقرار نائبه، فهذا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..!!
:: ولم يكتفِ المحافظ بالإنابة بإلغاء قرار المحافظ، بل وجهه أيضاً بأن يلتزم بنظم التعامل مع قرارات لجنة إزالة التمكين، بما فيها نظام الاستئناف.. النائب يوجه المدير، غير متوقع في نظم الإدارة، ولكن لا مستحيل في موطن الغرائب والعجائب.. وبما أن الأمر كذلك، فما الذي يمنع الخفير بالبنك المركزي – أو أي موظف – عن إصدار قرار يلغي قرار المحافظ بالإنابة؟.. ليس هناك ما يمنع، فالوضع هناك (سمبلة ساكت)..!!
:: ومن المحن أيضاً، وكأن كل هذا لا يكفي إذلالاً لمحافظ البنك المركزي، كشفت مصادر بلجنة إزالة التمكين – للصحف – عن إصدار النيابة العامة أمراً بالقبض عليه، لعدم تنفيذه قرار لجنة إزالة التمكين.. مدير وحدة حكومية لا يملك سلطة تعيين أو فصل عامل إلا بأمر لجنة، ولو خالف الأمر يتم القبض عليه، وكل هذا يسمى بالقانون.. لو كان القانون رجلاً لانتحر، حتى لا يستغلوه بهذا الشكل..!!
:: وبالمناسبة، وهو يوجه المحافظ باستئناف قرار لجنة إزالة التمكين، قد لا يعلم المحافظ بالإنابة بأن لجنة الستئناف مجرد مصطلح إعلامي لا وجود لها على أرض الواقع، واستقالت عضويتها، ولم يتبق منها غير رجاء نيكولا.. وغياب أو تغييب لجنة الاستئناف يعني عدم اكتمال حلقات تحقيق العدالة.. وعدم اكتمال حلقات تحقيق العدالة يعتبر ظلماً لمن تظلمه لجنة إزالة التمكين.. أم أن لهذه اللجنة وحياً يوحى لها من السماء، بحيث لا تظلم إطلاقاً..؟؟
الطاهر ساتي
الصيحة