أحمد ومحمد، القاسم المشترك بينهما هو؛ تفوقٌ كبير في امتحانات الشهادة السودانية حيث أحرز كلاهما نسبة 93%، وهذا ما جعلهما يُقدّمان باطمئنان في قبول الدور الأول حسب دليل التقديم للعام الماضي، وبينما كانت أُسرتاهما تنتظران قبولهما بطب (الجميلة ومستحيلة)؛ إذا بنتيجة غريبة وعجيبة يتم إعلانها قبل أيام، أطاحت بأحلامهما وقذفت بهما بعيداً عن الترشيح ليس لطب الخرطوم وحدها بل حتى للكليات الأخرى التي سجّلاها ضمن رغباتهما.
جولة بمكتب القبول
(السوداني) تجوّلت بمكتب القبول الكائن بالخرطوم شارع الجمهورية والتقت بعدد كبير من طلاب جمعت بينهم الحسرة والحزن العميق، حكوا بنبرة صوت مبحوحة أقرب للبكاء تفاصيل آمالهم التي تبدّدت وأحلاهم التي تبخّرت في التقديم قائلين إن المعالجات التي أعلنت عنها وزارة التعليم العالي للطلاب والطالبات المتضررين لم تكن منصفة بحيث يجد الطالب المتضرر أمامه (3) رغبات فقط معظمها بالولايات وخارج ولاية الخرطوم الأمر الذي استنكره الطلاب وأولياء أمورهم، مشيرين إلى أن الدراسة رغبة وليست إجباراً كما ترى الوزارة، منوهين إلى أن وزارة التعليم العالي قللت نسبة القبول في التقديم العام على حساب القبول الخاص، والذي وصفوه بالمجحف ذلك لأنه يحرم المتفوقين وأصحاب الحق أولوية القبول، مشيرين إلى أن أسرهم ليس بمقدورها مجاراة المبالغ المليارية، مؤكدين أنهم لم يزرهم مسؤول يرشدهم أو يخفف عنهم وقع الصدمة التي تلقوها من الوزارة ، مناشدين الوزارة ورئاسة الوزراء بالوقوف مع الطلاب وإعادة التقديم وتوزيع الطلاب بصورة نزيهة ليدرس كل طالب حسب درجته (وعرق جبينه) ورغبته التي يحددها هو وأسرته بدلاً من إكراهه مجبراً على جامعة وكلية لا يطيق سماع اسمها ناهيك عن توزيعه بها، أحمد ومحمد نموذجان لمئات الطلاب لم يتم قبولهم في التقديم للجامعات لهذا العام.
تقديم تنازلات
أما الطالبة زهراء عبدالناصر أحرزت نسبة 92.6 من مدرسة أسماء عبدالرحيم بالخرطوم قالت لـ (السوداني) إن نسبتها تسمح بدخولها كلية الطب لجامعتي أم درمان الإسلامية والزعيم الأزهري حسب دليل التقديم للعام الماضي، ووصفت زهراء نتيجة القبول بالكارثية وغيرمتوقعة بحيث رُفضت رغباتها ولم يتم قبولها في أي جامعة، وتساءلت زهراء عن ماذا بنت الوزارة تقديراتها، وتابعت أن الوزراء تؤسس لمشروع إحباط للطلاب والمستقبل المظلم الذي ينتظر ممتحني الشهادة في الأعوام السابقة لتضييق مواعين القبول العام ، وأكدت أن المعالجات الآنية أجبرتها على التنازل عن رغبتها في دراسة الطب لسببين الأول حتى لا تفقد فرصتها في القبول والآخر لعدم استطاعة أسرتها على دخول حلبة التقديم الخاص .
ضياع عُمر !!
أما حاتم عثمان العوض الذي أحرز نسبة 91.6 يؤكد لـ (السوداني ) عدم قبوله في التقديم العام بحيث قدم لعدد 16 كلية تتساوى إحداها مع دليل العام الماضي وتنقص عدد من الرغبات عن العام الماضي بأكثر من 2%، وأكد أن لجنة المعالجة خَيّرتهُ في التقديم للطب في 3 جامعات فقط هي الفاشر، زالنجي، والضعين ، علماً بأن نسبته تسمح له بدخول جامعة أم درمان الإسلامية وجامعات أخرى حسب رغبته الدراسية، حاتم يطالب الحكومة والوزارة بالعدالة فقط، قائلاً ليس من حق أي جهة مهما علا شأنها حجر رغباتهم والتحكم في مستقبلهم من أجل التكسب والمال ، وأشار إلى واجب الدولة تكريمهم وليس اذلالهم لأنهم يستحقون ذلك واحرازهم نسباً تفوق نسب النخبة الحاكمة الآن، ونوه إلى عدم القبول لهذا العام أدخل الطلاب في محك لا خروج منه بحيث خصمت من عمر الطالب تزامنا مع اندلاع المظاهرات وجائحة كورونا ، إضافة إلى ضياع فرصة لحاقهم بامتحانات الشهادة التي تبقى لها 3 أشهر، وقال ساخراً ( ياخ ده ضياع عمر أنا كبرت عديل في تالتة) وليس بمقدوري الاعادة مرة أخرى وضياع عام آخر غير العامين السابقين .
ربح وخسارة
أما عبدالله ولي أمر الطالبة نعمة ولاية الجزيرة أكد لـ (السوداني ) إحراز ابنته نسبة 93.6 لم يتم قبولها ، وأوضح أنه تفاجأ بعدم قبولها ولم يصدقه حتى الآن، وأضاف أن الأسباب التي اعتمدت عليها الوزارة واهية ولا تمت للتعليم والإنسانية بصلة، وزاد بأن هذا النهج يرسخ للطلاب وأولياء أمورهم بدخول التعليم سوق الربح والخسارة وأن من لديه المال فليتعلم ومن لم يجده سوف يُبعد ولو من الأوائل،
ونوه إلى أن المعالجات اشترطت على الطالب أو الطالبة المقدمة حضورها بنفسها لتكملة إجراءات التقديم، مشيراً إلى أنه أتى من ولاية الجزيرة وعليه أعباء كثيرة من تذاكر سفر وإقامة شقق وغيرها من الأعباء، وطالب بإعادة التقديم كاملاً أو إعادة النظر في نسبة القبول الخاص لأن المعالجات ليست عادلة ولا تتماشى مع رغبة الطلاب وسوف تؤثر على مستقبلهم ولو رضخوا لها خوفاً من ضياع فرص القبول .
خطأ وزاري
الأستاذ الجامعي واختصاصي علم النفس د علاء الدين حامد يقول لـ (السوداني) إن أكبر خطأ ارتكبته الوزارة هو اشتراطها حضور الطالب بنفسه إلى مكتب القبول والتقديم المباشر، وكشف حامد عن ظروف بالغة التعقيد ترتبت على الطلاب وأسرهم بالاقاليم والضغط النفسي والمالي والجسدي الذي تعرضوا له جراء هذه المعالجة ، ونوه إلى أن الوزارة كان يمكن الاستعاضة عن التقديم الحالي بالتقديم الإلكتروني وتسهيله للطلاب بدلاً من حضورهم من الولايات التي تبعد بعضها 1000 كيلو عن الخرطوم من أجل القبول ، مشيرا إلى انعكساه على الحالة النفسية للطلاب مما اجبرهم إلى التظاهر وإغلاق الشوارع احتجاجاً على ما سبق، وأكد علاء الدين أن تلك المعالجات لم تحدث في السابق ، ووصف نتيجة هذا العام بـ (غير العادلة والمتكافئة) حيث زادت نسب التفوق والرسوب مما احدث خللا في الدرجات الوسطى الأمر الذي يشكك في أمرها.
قبول ملياري
أمسية السبت الماضي أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بداية التقديم للجامعات السودانية على النفقة الخاصة وأعلنت عن تخصيص 50% من مقاعد كل الكليات بالجامعات الحكومية للقبول على النفقة الخاصة، ووضعت الوزارة شروطًا للقبول الخاص بالجامعات أهمها ألا تقــل النســبة المئويــة عــن 10% كحــد أدنــى مــن نســبة القبــول العــام للكليــة أو التخصص المعني، على أن تُحــدد كــل مؤسســة الرســوم الدراســية للقبــول علــى نظــام النفقــة الخاصــة بكلياتهــا المختلفة، وبلغت رسوم القبول بكلية الطب جامعة الخرطوم (1000000) مليون جنيه ” مليار بالقديم” للطلاب السودانيين على أن يدفع الطلاب الأجانب رسومهم بالدولار والمحددة بـ( 12000) دولار، كلية طب الأسنان ( 780000) جنيه للسودانيين و( 10000) دولار للأجانب ، أما رسوم كلية الصيدلة جامعة الخرطوم بلغت ( 570000) جنيه ما يعادل ( 5000) دولار لغير السودانيين، كلية الهندسة الكهربائية ( 550000) جنيه للطلاب المحليين، ومبلغ ( 4000) دولار للأجانب ، وبلغت كلية الطب جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا ( 750000) جنيه، والرسوم للأجانب تبلغ ( 7000) دولار، كلية الهندسة المدنية ( 220000) جنيه للسودانيين و (5500) دولار للأجانب، وبلغت رسوم كلية الطب جامعة الجزيرة هذا العام ( 850000) جنيه، و رسوم القبول لغير السودانيين ( 10000) دولار.
توضيح وزاري
أوضحت وزارة التربية والتعليم العالي في بيان توضيحي سبب ارتفاع نسب القبول لهذا العام الأمر الذي ترتب عليه فقدان عدد كبير من الطلاب الحاصلين على نسب عاليه لفرصة قبولهم بمؤسسات التعليم العالي الحكومية، وأشارت إلى أن مُخرجات التعليم العام هي مدخلات التعليم العالي وبصورة أدق أن الدرجات التى أحرزها الطلاب المتنافسون في الشهادة الثانوية السودانية وتكرارها هي التي تقرر الحد الأدنى للقبول بمختلف الكليات والتخصصات بمؤسسات التعليم العالي وفق الأعداد المخططة والتي تزيد سنوياً عن العام السابق ، ونوهت إلى أنه بالرجوع إلى آلية ترشيح القبول بالإدارة العامة للقبول نُوضِّح إن المرتكز الذي تعمل عليه الإدارة في ترشيح وتوزيع الطلاب على مختلف التخصصات بمؤسسات التعليم العالي هو لائحة أسس وضوابط القبول للعام 2017م والتي جاء فيها نصاً “يُرشح الطالب للقبول بمؤسسات التعليم العالي بناءً على ترتيب الرغبات المُسجلة باستمارة التقديم” كما جاء فيها “تمثل النسبة المئوية والمفاضلة المعلنة لكل كلية أو تخصص الحد الأدنى للترشيح “.
أما شروط القبول ترتكز على النجاح في الشهادة الثانوية السودانية ومايعادلها وأن يكون التقديم بالشهادة الثانوية المتحصلة في نفس العام ، ويتم القبول للبكالوريوس بالنسبة المئوية والتي تحسب من المواد الإجبارية تضاف إليها ثلاث مواد من المواد المؤهلة للقبول تحدد حسب الكلية والتخصص المعني وهو ما تم فعلا في تأهيل وترشيح الطلاب المتقدمين للقبول لهذا العام ويتم القبول حسب الأعداد المخططة التي لم يحدث بها أي تخفيض ، مشيرة إلى أن كلية الطب بجامعة الخرطوم لهذا العام والأعوام السابقة هو (250) مقعدا يتنافس عليها الطلاب السودانيون من حملة الشهادة الثانوية السودانية و حملة الشهادات العربية والاجنبية،
وبما أن مخرجات وزارة التعليم العام تعتبر هي مدخلات التعليم العالي.
تراكم تكراري
وقالت في بيانها إن ارتفاع نسب القبول لهذا العام مرده الى الزيادة الكبيرة في التراكم التكراري لأعداد الطلاب المتحصلين على نسب تتعدى 90% فما فوق اضافة الى اتجاهات الطلاب نحو القبول هو ما احدث التراكم الذي اشتكى منه الطلاب وأهاليهم
وحتى نبين ماحدث فعلا نرجع لمقارنة تراكم الطلاب الناجحين في القسم العلمي أحياء/ للعام الدراسي 2019-2020م والعام الحالي 2020-2021م.
ان تكرار الطلاب الحاصلين على درجة (95%) في العام الدراسي 2019-2020 بلغ عددهم (68) طالبا وطالبة بينما ذات الدرجة بلغ عددهم في العام الحالي (527 ) طالب وطالبة بزيادة قدرها (459) طالبا وطالبة بينما بلغ الطلاب الحاصلون على درجة (94%) في العام الدراسي 2019-2020 بلغ عددهم (215) طالبا وطالبة بينما ذات الدرجة بلغ عددهم في العام الحالي (1089 ) طالبا وطالبة بزيادة قدرها (874) طالبا وطالبة.
وقد بلغ تكرار التراكمي للطلاب الحاصلين على درجة (93%) في العام الدراسي 2019-2020م (496) طالبا وطالبة اما العام الحالي فقد كانت جملتهم (1870) بزيادة قدرها (1374) طالبا وطالبة ، اما التكرار التراكمي للطلاب الحاصلين على نسبة (92%) في العام السابق فقد كان (1099 ) طالبا وطالبة بينما بلغ التكرار التراكمي لهذا العام (2866) طالبا وطالبة بزيادة قدرها (1767) طالبا وطالبة ،
اما الحاصلون على درجة (91%) قد كان تكرارهم التراكمي العام السابق عدد (1753) فيما بلغ تكرارهم التراكمي لذات الدرجة للعام الحالي عدد (4002) بزيادة قدرها (2249) طالبا وطالبة وعلى ذات المنوال عقدنا مقارنتنا بين تكرار الحاصلين على النسبة (90%) للعام الدراسي 2019-2020م حيث بلغ تكرارها التراكمي عدد (2721) طالبا وطالبة فيما بلغ في العام الحالي (5255) طالبا وطالبة بزيادة قدرها (2534) طالبا وطالبة.
من الاحصائيات المذكوره أعلاه موضحة أن نسب الشهادة الثانوية السودانية هي المتحكم الرئيس في نسب القبول بمختلف مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والاهلية،
وإن ارتفاع نسبة الطلاب الحاصلين على الشهادة السودانية أدى لارتفاع نسب الترشيح للقبول لهذا العام إضافة إلى اتجاهات الطلاب للتقديم لمؤسسات بعينها مانتج عنه عدم ترشيح عدد ( 2056) طالبا وطالبة لمؤسسات التعليم العالي رغم حصولهم على نسب تجاوزت نسبة 90%
وهو ما تعمل الوزارة على معالجته في إطار تحقيق عدالة القبول والترشيح.
تضخم نسب!!!
وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بروفيسور سامي شريف وصف لـ (السوداني) أن المعالجات التي أعلنت عنها الوزارة بالمساعدة وليست معالجة ، وأكد شريف أن الخطأ في القبول ليس من الوزارة بل من الطلاب أنفسهم حيث اختاروا رغبات أعلى من نسبهم، وردّ على سؤالنا حول ما يتداول بأن الوزارة قلصت نسبة القبول العام من أجل القبول الخاص قائلاً : هذا حديث عارٍ من الصحة وأن الذي حدث هو تضخم في نسب الدرجات العليا بدليل إحراز عدد 527 طالبا أعلى من درجة 95% لهذا العام عكس العام الماضي حيث أحرز فوق النسبة ذاتها 68 طالبا فقط ، ونوه إلى ثبات عدد الطلاب بالقبول لبعض الكليات لسنوات دون الزيادة أو النقصان بحيث يتراوح عدد القبول لكلية الطب جامعة الخرطوم من 230 طالبا إلى 250 طالبا منذ 7 أعوام، وأوضح أن الزيادة المهولة التي طرأت على رسوم النفقة الخاصة من إدارات الجامعات نفسها وليس من الوزارة ، تفرضها الجامعات كرسوم تسيير ، مشيراً إلى أن الوزارة غير راضية عن الأرقام الفلكية التي تفرضها الجامعات على الطلاب وتسعى لمعالجات مستقبلية تقلص هذه النسب من أجل نهضة التعليم بالبلاد.
تحقيق: اليسع أحمد
صحيفة السوداني