لأول مرة في تاريخ السودان تتحول نتيجة القبول بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى أزمة حقيقية تستوجب دموع الأمهات والأسر التي ترى مستقبل بناتها وأبنائها في مهب الريح رغم أنف الدرجات المتقدمة التي حصلوا عليها في امتحان الشهادة الثانوية السودانية في وجه عواصف جائحة كورونا ومترتبات الأمطار والسيول وتكرار تأجيل موعد الامتحان.
كثير من الطلاب حصلوا على مجموع يفوق الـ 93%، أو أقل منه قليلاً، ومع ذلك وجدوا أنفسهم في الشارع العريض لا تقبلهم الكليات التي قدموا إليها، برغم تفوقهم..
في الوقت ذاته فتحت الأبواب على مصراعيها للقبول الخاص في الجامعات الحكومية وبرسوم مليارية.. ما أوصل لفهم كثير من الأسر إنها دعوة لخصخصة التعليم الحكومي، ورغم أني لا أميل لهذا التفسير السهل، إلا أن السؤال يظل كيف وصل أصحاب السلطة لمثل هذا القرار؟ هل هناك دراسة واضحة عن مصير الطلاب الذي يحصلون على درجات كانت كافية لتحقيق أحلامهم، فيتفاجأون أن جدران القبول العام في الجامعات الحكومية أصبح أعلى كثيراً من أحلامهم؟
وبكل أسف الظروف الاقتصادية في البلاد أدت لرفع رسوم الجامعات بصورة كبيرة مع تدهور قيمة الجنيه السوداني وحتمية أن تجد الجامعات ما يكفي لاستمرار عملها الأكاديمي المكلف.. فارتفعت الرسوم إلى سماء قد لا تطالها ميزانيات غالبية الأسر السودانية مما يجعل الطلاب عرضة للإحباط الموجب لليأس ويفضي في النهاية إلى دمار جيل كامل أو تشويه وجدانه الوطني تحت وطأة الهزيمة المرة التي يتسبب فيها ضياع فرصة التعليم العالي.
في تقديري الأمر يرقى لدرجة الطواريء الوطنية العليا.. لابد من طمأنة الأسر السودانية على مصير بناتها و أولادها ، حتى لو تكلفت الحكومة بدفع مصروفات ورسوم التعليم الحكومي الخاص أو الخاص المحض، نيابة عن هذه الأسر، فمستقبل الطلاب أهم من كثير من بنود المصروفات الحكومية الأخرى.
مطلوب إعادة النظر في نتيجة القبول للجامعات هذا العام، وتوسيع فرص المقاعد المتاحة في القبول الحكومي العام.. فالأمر جد خطير، والأزمة عظيمة وخطيرة.. فكما كنا نهتف أيام الثورة (مقتل طالب مقتل أمة) فالقتل ليس بالرصاص وحده، مصير أي طالب سوداني لا يجد مقعداً في الجامعة رغم استحقاقه هو قتل له مع سبق الإصرار والترصد.
صحيفة السوداني