الأحزاب والانتخابات…تهمة هروب..!!

بلغ حرص د.مضوي الترابي القيادي بالحزب الاتحادي على إبداء الرغبة في قيام الانتخابات حد المطالبة بإجرائها ولو (بالدين)..عندما دعا الحكومة في ندوة عن الانتخابات أواخر أبريل الماضي لفتح باب الاقتراض من البنوك لتوفير الأموال اللازمة لإجراء العملية الانتخابية، والتي قدرها بما يفوق المليار دولار، التزمت الحكومة ببعضها، وتبقت قرابة نصف مليار دولار، تنتظر من يدفعها.
هذه الثغرة المالية، تضعها بعض أصوات المعارضة ضمن قائمة مبرراتها لتأجيل الانتخابات، ففي ذات الندوة أورد بعض المعارضين عدم وفاء المانحين الأجانب بدفع المبالغ التي التزموا بها سابقاً كسبب للتأجيل، إلى جانب الحديث عن الأمطار الغزيرة التي يمكن أن تعوق سير العملية في بعض المناطق خاصة الجنوب، إلى جانب حزمة من المبررات الفنية كقضية التعداد السكاني، وتحديد الدوائر، وعدم تثقيف الناخبين بعد بشأن المستويات المختلفة التي سيصوتون عليها، ما قد يجعلهم عاجزين عن فهم الإجراءات وكيفية التصويت لمرشحهم لهذا المستوى أو ذاك.
قضية التعداد السكاني والاختلاف على نتائجه، إحدي عقبتين رئيسيتين تهددان قيام الانتخابات في موعدها، وفي غير موعدها ربما، فمنذ البداية وضعت الحركة خطوطاً تحت عملية الإحصاء، ووصل الأمر حد إعلان برلمان الجنوب رفضه للنتائج، في وقت تمسك فيه المؤتمر الوطني برفض أي حل سياسي للموضوع، باعتباره شأناً فنياً بحتاً، وأخيراً، زاد الخلاف حول نتائج الإحصاء عمقاً، وربما حدة، بإفراد اتفاق حزب الأمة القومي مع حركة العدل والمساواة بنداً كاملاً يتضمن رفض اعتماد النتائج كأساس لأي إجراءات سياسية.
العقبة الأخرى في طريق الانتخابات، هي حزمة القوانين التي توصف تارة بالمقيدة للحريات، وتارة أخرى بقوانين التحول الديمقراطي، فبينما تأخرت إجازة بعض القوانين بعض الشيء، لا تزال قوانين أخرى خاضعة للمداولات في السر والعلن، كقانون الأمن الوطني، وقانون الاستفتاء الذي توحي تصريحات الشريكين بأنه ربما يكون عقبة كبرى، ليس في وجه الانتخابات فحسب، ولكن في وجه اتفاقية نيفاشا وحق تقرير المصير، ومستقبل البلاد واستقرارها السياسي.
على خلفية ذلك، انتقد الرئيس البشير، رئيس حزب المؤتمر الوطني دعاة التحول الديمقراطي، وأعتبر الذرائع التي يسوقونها للتأجيل ما هي إلى ذريعة للتهرب من الانتخابات، وقال البشير في معرض انتقاده لمواقف المعارضة (عندما اقتربت الانتخابات وجاءت ساعة الجد أصبحوا يتكلمون كلاماً غريباً).
انتقادات البشير تتفق مع وجهة نظر بعض المراقبين، التي تفيد بأن الأحزاب المعارضة تعاني من الضعف المالي والتنظيمي والمؤسسي، وأنها غير قادرة على تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات القادمة، ما يجعلها غير راغبة في دخول رهان تعرف أكثر من غيرها أنها ستخسره، ويجزم اللواء حسب الله عمر نائب مدير المخابرات السابق بأن التهرب من الانتخابات لم يعد مجرد تهمة بل هو أمر ثابت حتى في تصريحات بعض الأحزاب بأنها لم تعد نفسها بعد لخوض الانتخابات، ويضرب مثلاً بحزب الأمة ويقول إنه حاز على قدر كبير من التأييد الجماهيري في آخر انتخابات ديمقراطية ويقول قادته أنهم الحزب الأكبر في البلاد اعتماداً على تلك النتيجة، لكن الأمة انقسم الآن إلى خمسة أحزاب، ويضيف حسب الله أن الانتخابات المقبلة ستغيرالكثير ويتوقع أن يحصل الحزب على عشرين بالمائة فقط من حجم التأييد الذي حظي به في العام 1986، ويتوقع ذات الشيء بالنسبة للحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان القوة الثانية وفق نتائج 1986، ويرى اللواء حسب الله أن الحال مختلف بالنسبة للمؤتمر الوطني إذ أن غالبية مؤيديه هم قوى جديدة لم تكن موجودة في الساحة في ذلك الوقت، على الرغم من أن أساسه- الحركة الإسلامية- يعتبر من القوى التي شاركت في تلك الانتخابات، ويخلص إلى أن الدعاوى حول التهرب من الانتخابات ربما تكون متبادلة، لكن الفيصل هو الانتخابات نفسها والتي ستحدد حجم كل حزب ومدى استعداده لخوضها، ويضيف أن الوطني هو الحزب الوحيد الذي أعلن مرشحه للرئاسة، وأعاد تجديد نفسه عبر انتخاب كافة مستوياته وهياكله.
وبينما يقول المؤتمر الوطني إنه شديد الحرص على قيام الانتخابات، إذ أنها قد تكسبه شرعية جماهيرية غير قابلة للدحض، إلا أن البعض يرى غير ذلك، ويتهم صديق يوسف مسئول الانتخابات بالحزب الشيوعي، الوطني بتدبير تأجيل الانتخابات بسبب تأخره في مواءمة القوانين مع الدستور الانتقالي الذي نص على إجازة قانون الانتخابات والأحزاب وتشكيل المفوضية في فترة أقصاها يناير 2006، الأمر الذي حدث ولكن بعد عامين من ذلك التاريخ، كذلك التعداد الذي نص الدستور على إجرائه قبل نهاية 2007 تم إجراؤه في وقت لاحق، ويقول يوسف إن الوطني يخشى خسارة بعض مما يملكه في الانتخابات إذ أن الأوضاع التي ستعقب الانتخابات لن تكون شبيهة بالأوضاع الحالية، إذ أن الوطني سيخسر نسبة الـ (52%) التي يتمتع بها حالياً في الجهاز التشريعي الولائي والاتحادي، وربما مناصب الوالي في بعض الولايات، ويؤكد أن الشيوعي سيدخل الانتخابات في اي وقت، ويضيف قائلاً (إن كانت الانتخابات في مصلحتهم بالفعل.. وتكسبهم الشرعية.. فليقيموها).
الانتخابات، قد تكون بالفعل حداً فاصلاً بين الإقدام والهروب، ولكن السؤال الذي يدور في أذهان كثيرين، هو: ما إذا كانت الانتخابات ستجرى فعلاً أم أن مجموعة من الأسباب- كمقاطعة البعض، وعدم الوصول إلى سلام في دارفور، أو انهيار شراكة الوطني والحركة، قد تقود إلى تأجيلها مجدداً إلى وقت غير معلوم، أو إلى إجرائها في ظروف غير مواتية، تزيد من أزمة الشرعية، عوضاً عن حلها.
مجاهد بشير :الراي العام

Exit mobile version