إلغاء منهج القراي: خلاصات ونتائج

(١) طرح قرار رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك، والصادر عن الأمانة العامة للمجلس وذلك بتاريخ ٢ مارس ٢٠٢١م، جملة من التساؤلات، فقد خلص التوجيه لإعتماد توصيات لجنة مراجعة المناهج الجديدة، وقد خلصت اللجنة لحذف الكثير من المواد وإعادة تدريس أخرى وتم توجيه بإعادة تأليف كتاب كامل، وهو في إجماله إلغاء لما عرف بمنهج (القراي).

ومن اهم الأسئلة الراهنة، وبعيدا عن تفاصيل القرار:
أولا : كيف فات علي مؤسسات الدولة إجراء هذه التعديلات دون مناقشة وتداول؟ وكيف تم تمرير هذه المناهج من مراحل الإعداد والمراجعة والطباعة وصولا للمدارس والأستاذة وأيدي التلاميذ دون أن تكون هناك جهة مراقبة أو مراجعة؟ ولماذا استغشت الحكومة حالة صمم من الأصوات المناهضة والمراجعات دون أن تلتفت أو تنتبه لما جري؟، إن هذه الواقعة على خطورتها تكشف حقائق فرعية مهمة : ومنها وجود خلية ذات أجندة خاصة، تسعى لتحقيقها بغض النظر عن الرأي العام وبعيدا عن أي رادع أو وازع، ومنها، إن المؤسسات الحكومية هشة وسهلة الإختراق، لدرجة وقوع أمر بهذه الخطورة دون وقفة ومغالبة، ومنها ان إفتراض أن هناك جهة ما، غيبت الحقائق عن سلطة إتخاذ القرار أو أن الحكومة بدأت مرحلة جديدة غير خاضعة للإبتزاز السياسي.
وثانيا: من وراء هذا الإجراء، هل هي مجرد تطلعات ونزعة شخصية من د. القراي وموافقة بروفيسور محمد الأمين وزير التربية والتعليم السابق؟ أم أن هناك تيارات فكرية وسياسية تهدف لتحقيق رؤيتها على الواقع الإجتماعي والمناهج التعليمية؟ وهل هناك جهة ساعية لتعزيز هذا الطرح مع دعم خارجي؟.
لقد طالعنا الإهتمام بالمؤتمر الخاص بفكر محمود محمد طه في ذكراه، و المناقشات والضيوف والتمويل، وكل هذا الإهتمام بفكره، وخاصة في مسألتي : إعداد المناهج والأحوال الشخصية، مع منشورات في صحف ومجلات غربية، تم إعادة بعث لأفكار وأطروحات محمود، هل كان ذلك مجرد صدفة..
ولماذا تبني الحزب الشيوعي السوداني واليسار وحدهم إسناد ودعم المنهج الجديد، بينما عارضه ومنذ وقت مبكر حزب الأمة القومي ومجمع الفقه الإسلامي وأنصار السنة وجماعات وتيارات أخرى.
وثالثاً: فإن تكاليف باهظة دفعت ماديا ومعنويا، فقد أنفق أكثر من ٥٨ مليار جنيه في طباعة المنهج، وتم شن حملة قاسية على خبراء بالمركز القومي للمناهج وتم إعفاء بعضهم ونقل آخرين، وفوق كل هذا، فإن ربط بداية العام الدراسي الجديد بإعداد المنهج أضاع على التلاميذ والأسر وقتا ثميناً، وقس على ذلك المبالغ المالية التي صرفت على لجان إعداد المناهج المعيوبة هذه، وللأسف، فإن قرار مجلس الوزراء تغافل عن هذه الحقائق ولم تتم أي إجراءات تحقيق ومساءلة ومحاسبة..
(٢)
وترتب على هذا الواقع جملة من الخلاصات، وفى رأي، لابد من التشديد عليها:
أولا: وبدون أي مواربة ان هناك أجندة، سياسية أو فكرية، سواء محلية أو ذات دفع أجنبى، تخطط وبمثابرة (لإختطاف الواقع السوداني) وغرس قيم ومفاهيم وقناعات خاصة بها، وأنها تعمل بوتيرة متسارعة وبلهفة شديدة وتركيزا على النشء، وتتنوع شواهد ذلك من خلال تغيير المناهج أو القوانين أو السلوكيات العامة.
وثانيا: إن هذه المجموعات، استهانت بقوة الرأي العام السوداني وفاعليته، فقد كانت حكومة دون شك، تغض الطرف عما جري، لو لا شدة الضغط من مجموعات سياسية وفكرية ومنابر وأفراد، وهذا يشير لنقاط مهمة، و أبرزها فاعلية المجتمع تجاه قضايا دينه ودينه وثقافته وتاريخه، و منها ضعف حس قوي اليسار بحيوية المجتمع وظنهم إمكانية تمرير مخططاتهم في غفلة، ومنها إنحسار تيارات التضليل الإعلامي والبهرجة الزائفة.
وثالثاً: ثم ماذا بعد؟ هل هذا هو المخطط الوحيد ام أن هناك أجندة أخرى؟ وهل يكتفى الرأي العام بالإنتظار أم يتحرك خطوة للأمام..
في رأي، أن النقطة الثانية المهمة في الأجندة المريبة، هو تغيير القوانين والتشريعات، ونذكر هنا اللجنة التي شكلها وزير العدل لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وبهذا تكتمل حلقة إحكام المخطط من خلال التنشئة والتأطير القانوني، وهذا مدعاة للتيارات الوطنية والمنابر والجمعيات والأسر لتعزيز مساهمتها في مناهضة هذه المحاولات الخرقاء.. إن قضية المناهج لم تكن مجرد حدث، إنه تيار واسع الطيف، وواضح الهدف، و يتطلب التعامل معه بيقظة ووعي..

د. إبراهيم الصديق على

Exit mobile version