الرئيس عبد الفتاح السيسي حل ضيفاً على الخرطوم يوم أمس السبت في أول زيارة بعد انتصار الثورة السودانية.. في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان البرهان والسيسي وضح أن محور الهموم المشتركة في الوقت الراهن تدور حول ملف المياه وبالتحديد مفاوضات سد النهضة.
السودان ومصر اقتربا كثيراً ليس في ملف مفاوضات سد النهضة فحسب، بل حتى على صعيد التعاون العسكري الذي ارتقى على مسارين، الأول ميداني بتدريبات مشتركة والثاني زيارات رفيعة المستوى للقيادتين العسكريتين للبلدين استعادت ذكريات الثمانينات عندما بلغ التنسيق العسكري مرحلة توقيع اتفاقية دفاع مشترك تجعل من أي عدوان على أي من البلدين عدواناً على البلد الآخر.
ورغم أن إثيوبيا تنظر بعين الريبة لما يجري بين ضفتي نهر النيل خاصة مع التوتر الحدودي العسكري مع السودان إلا أن واقع الحال والتجربة السابقة يؤكد أن منسوب العلاقات بين البلدين السودان ومصر لا يزال يتطلب كثيراً من العمل الثنائي لإصلاح الحال، فقضية سد النهضة على أهميتها لكنها عارضة تنتهي بتوافق ثلاثي ثم بلوغ السد مرحلة التشغيل واكتمال مراحله. ولا يمكن افتراض أن ملف العلاقات السودانية المصرية سيفرغ بعدها من المصالح والأجندة.
العلاقة الثنائية بين دولتي نهر النيل يجب أن تنطلق إلى فضاء استراتيجي عابر للمواقف الطارئة، وهذا لا يتحقق إلا بترقية وتوسيع المصالح المشتركة، على المستوى الشعبي فضلاً عن الرسمي.
في حقبة الثلاثين عاماً الماضية، وما تزايد وتيرة الحرب الأهلية في السودان ، من الجنوب إلى دارفور إلى المنطقتين، نأت مصر بنفسها عن التقارب مع المشهد السوداني خشية أن تحسب لصالح أحد الأطراف، و ظلت تفتح أبوابها للجميع حكومة ومعارضة للمحافظة على توازن العلاقة مع الجميع. لكن الوضع الآن تغير، خرجت الحرب من باب نتمنى أن يغلق خلفها. وبات السودان أكثر قدرة على الانفتاح والتلاقي مع المجتمع الدولي عامة ومصر خاصة.
في مثل هذا الظرف، لا أفضل من هذا التوقيت لتغيير نوعي في مسار العلاقات بين البلدين، تأسيس قوام استراتيجي مانع للهزات والزلازل، يبدأ بحوار جريء وشجاع يفتح كل المسكوت عنه ويزيل العُقد والرواسب التاريخية.
حتى الآن بيت العلاقات الثنائية مسكون بالهواجس والريب أكثر من التفكير والتخطيط الإيجابي المنتج للمصالح المشتركة. صحيح النظام السابق في السودان بسياساته وخطاياه الكبيرة دمر كثيراً من الجسور ووضع الملف الأمني في صدارة الأجندة، بعد أن كان السودان في يوم من الأيام الحائط الذي يحمي ظهر مصر، لكن الفرصة لا تزال مواتية للقفز فوق كل هذا الركام والتطلع لسماء لا (تستعصم بالبعد عنا)..
هذا الحوار الجاد مطلوب اليوم قبل الغد على مستوى النخب المجتمعية في البلدين، فصناعة استراتيجية مشتركة للعلاقات يبدأ من خارج الأطر الحكومية، حيث التطلع للمصالح المباشرة أقوى وأبقى.
ليت الحوار يبدأ الآن على مستوى مؤسستين عريقتين موقرتين في البلدين، جامعة الخرطوم، وجامعة القاهرة. عندما أراد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مخاطبة العالم العربي والإسلامي لم يجد أفضل من منصة جامعة القاهرة، حيث العلم والتاريخ والحضارة.
الآن، الآن ؛ مطلوب وبأعجل ما تيسر حوار بين دولتي وادي النيل تبتدره الجامعتان الخرطوم والقاهرة ليرسم المسار الاستراتيجي ..
صحيفة السوداني