محجوب مدني محجوب يكتب: لا بد من فقه سياسي

المكتبة الإسلامية غنية بكتب الفقه حيث لا تكاد تجد مسألة من مسائل الفقه إلا وتناولها جميع الفقهاء سواء بالدليل النصي من القرآن الكريم، والسنة الشريفة او مستمدة من قول، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم أو من جمهور الفقهاء أو من الدليل القياسي أو العقلي.
اما فقه السياسة، والحكم فهو لا يعدو أن يكون مجرد آراء، ومواقف لعلماء الأمة.
أو قل ليس بحجم اجتهادات الفقه الأخرى.
والقول بأن العبادات نالت حظا أوفر من الاجتهاد، والفهم، والتحصيل؛ لأنها مرتبطة بحقوق الله، فهذا الرأي لم يعد مجديا الآن؛ لأن الحق السياسي هو الذي يصون، ويحمي حقوق الله، فإن لم يكن موجودا تم النيل منها، والاعتداء عليها.
تأتي أهمية الفقه السياسي من عدة جوانب:
* إن الدين الإسلامي متفرد، ومختلف عن جميع الديانات، فهو دين دنيا، وآخرة، ودين إعمار للأرض، وإعمار للآخرة، ودين عمل، فلا يوجد أشخاص في الإسلام مصدر رزقهم التبتل، والخنوع لله بلا عمل، وبلا تكسب شأن الديانات الأخرى لذلك أي مقارنة بين الدين الإسلامي، والديانات الأخرى هي مقارنة مجحفة، وظالمة، وقاصرة.
* الشأن السياسي لم يعد كسابق عهده لا علاقة له بمعاش الناس، وخدماتهم، وحقوقهم، وواجباتهم بصورة مباشرة، فهذه المسائل أضحت بالغة التعقيد، وشائكة، ولا تحتمل مجرد رأس دولة يقوم بمهامه ليتبعه الرعية بالسمع، والطاعة، حيث أنها تعقدت لتعقدات العصر ، فالرئيس لم يعد دوره، ووظيفته منفصلة عن الرعية، والرعية لم يعد ارتباطها بالحاكم بأمور عامة بل تعدت اليوم ارتباطات الرعية بحكامهم أي قيود وأي حواجز يتساوى في ذلك أهل الحضر، وأهل البدو.
بل أصبح راعي الغنم الآن مدركا لأسعار العملات، وانخفاض، وارتفاع السوق العالمية.
* الاقتصاد، والتعليم والصحة، كلها أمور صارت مرتبطة كل الارتباط بمدى استقرار السلطة، ونزاهتها، وبمدى ولاء هذه السلطة للشعب، ولثقافته، وعاداته، وتقاليده، فإن صارت السلطة موالية للشعب، وتعبر عن آماله، وآلامه، فإن الشعب سوف يستقر في كل شؤون حياته، وإن كانت هذه السلطة تستنزف الشعب، وتعمل على استغلاله، وتتخذه وسيلة لغاياتها، فإن الشعب سوف يشرد، وسوف يمارس ضده كل أشكال التهميش، والتحقير، والابتزاز العالمي، وسوف يصير فريسة الكل يسعى لأن ينال منها شيئا.
* وجود فقه سياسي يقطع الطريق أمام كل صعود لكل من هب، ودب مدعيا تمثيله للإسلام، وبالتالي يوقف الفقه هذه المهازل، ويبعد الجاهلين او أصحاب النفوس الضعيفة عن أي استغلال يمكن أن يمارس باسم هذا الدين، وتأتي خطورة هؤلاء في كون ممارساتهم تنسب للدين لا لهم، وأخطاؤهم تلتصق بالدين، والدين عنها براء.
* الفقه السياسي يوقف أولئك الذين لا هم لهم سوى استيراد ثقافات، وقناعات الأمم الأخرى التي تختلف تربتها كل الاختلاف عن تربتنا، فما يصلح لهم يفسدنا وما يمثل بالنسبة لهم مصدر قلق وهم قد يكون بالنسبة لنا مدعاة للراحة والاطمئنان.
* ارتبط بمجال السياسة من هم بعيدون عن الدين، وكأنه سبة أو عيب لمن يريد أن يتفقه في الدين، وحجم معنى الحديث الشريف إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) فديننا لا كبقية الأديان يقتصر على الأمور التعبدية فقط بل هو شامل لكل مناحي الحياة.
فمراد السنة إن كان مقصودها بالتفقه بالدين المسائل التعبدية فقط لقال رسولنا الكريم: من يرد الله به خيرا يفقهه في القرآن، والسنة او من يرد الله به خيرا يفقهه في العبادات، والمعاملات، فلم يأت لفظ الحديث بهذه الصيغ التي اقتصر تفسير الحديث عليها، وإنما شمل الحديث الشريف الفقه حيث ذكر التفقه في الدين، فالدين شامل لهذه الجزئيات، ولغيرها.
* الأمة الآن تحتفظ بتراثها، ودينها، وبعلمائها، وبمساجدها، ومع ذلك، فلا يهابها عدوها، ولا يتردد في انتهاك حرماتها مما يعني أن القائم على أمرها تنقصه الدراية، والمرجعية الكافية أكثر من كونه يهاب أولئك الأعداء، ويسعى لإرضائهم، فقد يكون موقفه غالبا إن لم يكن كاملا هو الضعف، والعجز.
لكل هذه النقاط، وغيرها من النقاط المتشعبة منها أضحى الفقه السياسي ضرورة من أي فترة سابقة للأمة حتى لا يكاد يقل ضرورة عن مسائل الفقه الأخرى.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version