خلال سنوات إدراج السودان في قائمة ما تعتبرها الولايات المتحدة “دولا راعية للإرهاب” (1993 ـ 2020)، اتجهت الخرطوم إلى روسيا والصين لتوطيد العلاقات معهما في مجالات بينها النفط والتعاون العسكري. في نوفمبر 2017، وخلال زيارة الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير (1989 ـ 2019) لموسكو، وقّع البلدان اتفاقيات للتعاون العسكري تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين. وحينها، أعلن البشير أنه ناقش مع الرئيس الروسي ووزير دفاعه إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، وطلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية. ولدى السودان ساحل مطل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم. وفي مايو 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ. وتنص الاتفاقية على “السماح بدخول السفن الحربية بعد الإخطار بذلك في موعد لا يتجاوز 7 أيام عمل قبل تاريخ الدخول”. ووفق الاتفاقية بحسب موقع وكالة الأناضول، فإن “الغرض منها هو تطوير التعاون العسكري بين البلدين وفقا لقوانينهما ومبادئ وقواعد القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تكون روسيا والسودان طرفين فيها”. وجاء الإعلان الروسي عن الاتفاقية بعد شهر واحد من عزل قيادة الجيش السوداني للبشير، في 4 أبريل 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية. وآنذاك تولى مجلس عسكري (منحل حاليا) السلطة، ثم بدأت في 21 أغسطس 2019 مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات مطلع 2024. وفي أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعم بلاده للسودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي، وذلك خلال لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على هامش القمة الروسية الإفريقية بمدينة سوتشي. وتسلم السودان، في أكتوبر 2020، سفينة تدريب حربية من روسيا، ضمن التعاون العسكري بين البلدين. وفي 16 نوفمبر 2020، صدّق بوتين على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية. وفي 19 نوفمبر، قال رئيس الأركان السوداني الفريق ركن محمد عثمان الحسين: “حتى الآن ليس لدينا الاتفاق الكامل مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد”. وفي 9 ديسمبر ، نشر نص اتفاقية بين روسيا والسودان حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، ولا تستهدف أي طرف آخر، بحسب مقدمة الاتفاقية. وستضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية، ويحق للجانب السوداني “استخدام منطقة الإرساء، بالاتفاق مع الجهة المختصة من الجانب الروسي”. وتحدد الاتفاقية إمكانية بقاء 4 سفن حربية كحد أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان “أسلحة وذخائر ومعدات” ضرورية لتشغيل تلك القاعدة في ميناء بورتسودان الاستراتيجي على البحر الأحمر. ومدة الاتفاقية 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية، بموافقة الطرفين. ورغم الإعلان الروسي الرسمي، إلا أن الخرطوم التزمت الصمت، خاصة أنه لا يوجد اتفاق كبير حول العلاقات الخارجية بين أطراف السلطة، وهي مجلسا السيادة والوزراء وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، إضافة إلى حركات “الجبهة الثورية” الموقعة على اتفاق السلام في 3 أكتوبر الماضي. وفي 28 فبراير الماضي، استقبلت البحرية السودانية في قاعدة ميناء بورتسودان الفرقاطة الروسية “الأميرال غريغوروفيتش”. وقال الجيش السوداني، في بيان، إن “زيارة السفينة الروسية تعتبر واحدة من النشاطات المعتادة في العلاقات الدبلوماسية بين القوى البحرية العالمية وكتقليد متبع بين الجيوش”. وأضاف أنها أول سفينة حربية روسية تدخل ميناء بورتسودان في تاريخ روسيا الحديث. و أن قيادة السفينة الروسية أجرت مباحثات مع المسؤولين السودانيين حول تنفيذ الاتفاق بين موسكو والخرطوم، بشأن إقامة نقطة دعم لوجيستي للبحرية الروسية في السودان. ومطلع مارس الجاري، استقبل السودان المدمرة الأمريكية “ونستون تشرشل”، بعد أيام من استقبال سفينة النقل السريع “كارسون سيتي”، وكانت أول سفينة تابعة للبحرية الأمريكية تصل السودان منذ عقود. وعاد الدفء إلى العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، منذ أن شطبت الأخيرة السودان، في ديسمبر الماضي، من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”. وثمة أحاديث عن صراع أمريكي روسي على إقامة قاعدة بحرية عسكرية في السودان، في ظل رغبة البلدين في تعزيز نفوذهما بالقارة الإفريقية، التي تمثل مصدرا كبيرا للثروات الطبيعية وسوقا ضخما للسلاح. كما يقع السودان في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الإفريقي والخليج وشمال إفريقيا، ما يمثل أهمية لمساعي كل من واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية.
الخرطوم(كوش نيوز)