(1 )
قلنا في المقالات الثلاثة الفائتة، إن تجار العملة ليس لهم ذنب في تدهور قيمة الجنيه السوداني، وليس لهم ذنب في اختلال ميزان المدفوعات السوداني، وبالتالي ليس لهم ذنب فيما آلت إليه البلاد من فقر ومسغبة لا بل يشكرون على الدور الذي قاموا به في الربط بين سودانيي المهجر ورهطهم بالداخل، ولكن كل هذا لا ينفي أن تجارة العملة نشاط طفيلي ولكن يسأل عن ذلك الذي تسبب فيه وهو الذي فرض قيمة غير واقعية للجنيه السوداني، وفتح تلك الثغرة التي ولجت منها تجارة العملة ، بعبارة أخرى تدني الإنتاج وخطل السياسات هي المسؤولة عن ذلك النشاط الطفيلي، أما الآن وبعد التعويم المرن المدار للجنيه السوداني بلغة السيد نائب محافظ بنك السودان، فلم يعد لتجار العملة أي مبرر للاستمرار في تلك التجارة لأن استمرارهم فيها يعني محاربة الدولة ويعني أن كل السياسات النقدية التي اتخذتها والتي سوف تتخذها الدولة من حوافز مغتربين وغيرها من السياسات التي ترهق الدولة التي هي أصلا مرهقة الغرض منها محاربة تجار العملة، فهل يرضى هؤلاء التجار أن يكونوا هم العدو الأول للدولة ؟ ولماذا يضعون أنفسهم في الموقف المخزي ؟
(2 )
للدولة واجب تجاه تجار الجملة حتى بعد السياسات النقدية الجديدة، وبما أنهم قد أصبحوا فئة ضالة وعدوا رئيسيا فيجب على الدولة ألا تعين الشيطان عليهم، وذلك بان تعتبر كل ما قاموا به من نشاط قبل السياسات الجديدة عملا ليس فيه اي تجريم، بعبارة أخرى ان تعلن العفو العام لكل ما سبق لهم من ممارسات، وهذا يسقط العقوبة على الذين تمت محاكمتهم وهم الآن قيد العقوبة وتطلق سراح كل من هو قيد التحري وأهم من كل ذلك تمنع رفع أي دعوى جديدة تتعلق بأعمالهم قبل السياسات الجديدة ويتبع ذلك قوانين جنائية بها عقوبات مشددة لكل من يقترب من هذه التجارة، ويتزامن ذلك مع حملة إعلامية كبيرة ضد هذا النشاط الهدام ويجب أن يطالب المجتمع بنبذ كل من يقوم بهذه التجارة أي يجب فعل كل ما يؤدي لعدم التسامح مع هذه التجارة.
(3 )
بما أن الاقتصاد يجب ان يدار بالطرق الاقتصادية في المقام الأول يمكن للدولة أن تقنن تجارة العملة وذلك بأن لا تعتمد على البنوك وحدها ،وتسمح بالصرافات الأهلية لتجار العملة السابقين ولغيرهم شريطة ان ألا تدخل في مضاربة مع الدولة وذلك بان تكون أسعارها أقل من سعر الآلية الرسمية المعلن ومع ذلك سوف يتعاطاها الناس لأن البنوك مهما طورت من نفسها وتخلت عن البيروقراطية، فلن تغطي كل بقاع السودان . حتى البنوك الخارجية مهما كانت درجة كفاءتها فهي لن تخلو من البيروقراطية، لذلك سيكون هناك دوما من يحتاجون لتجار العملة التقليديين الذين طوروا خدماتهم في الفترة السابقة وحعلوها لكل فرد في كل السودان، فهذه ميزة يمكن الاستفادة منها فهذه الصرافات الأهلية أو الوكلاء الماليون سمها ما شئت يمكن ان تجمع شتات العملة وتبيعه للبنوك والجهات الرسمية كل الذي يهمنا هنا أن تختفي المضاربة في العملات الى يوم الدين، ويتجه الناس للنشاط الاقتصادي المفيد في الإنتاج وفي الخدمات وهذا يتطلب حسن تخطيط وحسن تدبير وحسن تنفيذ من جانب الحكومة، التي اختارت العلاج المر والجراحة بدون بنج.
صحيفة السوداني