ليست هي المرة الأولى التي تطالب فيها الحكومة المغتربين بتحويل أموالهم عبر البنوك والصرافات من أجل الحصول على حوافز واستثمارات مجزية وكعادة الحكومات فإنها دائماً لا تصدق في أقوالها تجاه المواطنين في الداخل والمغتربين في الخارج، حيث مارست حكومة الأنقاذ أكثر وأقبح أنواع الابتزاز مع المغتربين طيلة الثلاثين عاماً وأكلت أموالهم بالباطل ودون وجه حق، وفقدت الثقة التي كان يمنحها المغتربون للحكومات وبالتالي خسرت الحكومة أحد أهم أبواب الإيرادات الحقيقية والمضمونة، وكما هي الحقيقة فإن الحكومات تذهب ويبقى المغتربون، ولكنها مرة أخرى عادت الحكومة الانتقالية لتمارس ذات السلوك وتود كسب ثقة المغتربين، ولكن هذه المرة بتوفر بعض الضمانات التي يحاول المغتربون معرفتها بعد أن طرحها جهاز المغتربين مع بنك السودان المركزي لمزيد من تحفيز المغتربين لتحويل أموالهم عبر البنوك، وهو ما يطلبه المغتربون .
حوافز حقيقية
دكتور هيثم فتحي المغترب بدولة السعودية والخبير الاقتصادي أكد (للصيحة)، أن المغتربين يريدون حديثاً صريحًا ووعدًا قاطعًا بأنهم حينما يحولون مبالغ من النقد الأجنبي أن يمنحوا إعفاءات منها إدخال السيارات وأولوية في تملك الشقق والأراضي السكنية والزراعية والصناعية، وأن تنتهج معهم سياسة مرنة في شأن قبول الأبناء بالجامعات السودانية التي لا يزال بعضها يصر على أن تدفع الرسوم بالدولار.
وأضاف: أي حديث عن تحويلات المغتربين بلا حوافز حقيقية لا فائدة منها، وأشار هيثم حتى العام 2008 فاقت تحويلات المغتربين مبلغ ثلاثة مليارات دولار وآخر 2020 كانت لا تتجاوز 160 مليون دولار، لابد من وجود حوافز مشجعة، ونبه لضرورة وجود مواعين استثمارية بشروط خاصة تناسب المغترب ووظيفتة ودخله بالاغتراب مع تسريع خطوات تنفيذ المشروعات العقارية للمغتربين لاستقطاب مدخراتهم لتوظيفها في توفير الاحتياجات التنموية بالبلاد، فضلاً من إعداد الدراسات الفنية والتفصيلية لمشاريع استثمارية طموحة صغيرة ومتوسطة بغرض طرحها للمغتربين، لأن تحويلات المغتربين من الخارج إحدى مفاتيح حل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد السوداني باعتبار أن هذه التحويلات تدعم إحتياطات البلاد من النقد الأجنبي بما يربو على أربعة مليارات دولار سنوياً، وطالب فتحي بتقديم المزيد من الضمانات والتسهيلات لمساعدة هذه الشريحة المهمة بغرض إزالة الشكوك والمخاوف التي تحيط بها في البيئة الاستثمارية ضرورة توسيع مظلة التأمين الصحي ليشمل أي سودانى مغترب، علاوة على تحديث نظام فعال للضمان الاجتماعي لهذه الشريحة مع تقديم كافة الخدمات التي تحتاج إليها كالسكن والإعفاءات الجمركية وغيرها مع دعم وتفعيل قنوات الاتصال مع المغتربين للاستفادة من أفكارهم وخبراتهم في دفع مسيرة التنمية بالبلاد.
إجراءات تعسفية
بشير النور طه مغترب بالسعودية، قال (للصيحة): كل ما يتمناه المغتربون هو التحفيز الحقيقي وليس الحديث، يجب أن تكون هنالك حوافز متعلقة بالأراضي والشقق والإعفاءات الجمركية للسيارات والأثاث المنزلي وغيرها من الحوافز التي تجبر المغتربين لتحويل أموالهم عبر البنوك والمصادر الرسمية. وشدد بشير على ضرورة مراعاة طلاب المغتربين الذين يدرسون في السودان خاصة فيما يتعلق بالتأمين الصحي وغيرها من الخدمات، سيما وأن المغتربين يعانون كثيراً في بعض الخدمات التي تقدم لأبنائهم الطلاب.
وأضاف بشير: هناك الكثير من الجنسيات الأخرى والتي تعمل معنا في المملكة السعودية يتمتعون بحوافز كبيرة وامتيازات من بلادهم عندما يقومون بتحويل أموالهم، منها حوافز سنوية نقدية فضلاً عن تمليك الشقق عندما يتعلق بربط مالي محدد خلال العام.
وقلل بشير من الإجراءات التعسفية للبنوك السودانية خاصة بنك الخرطوم بالمملكة السعودية، فعلى مر خمسة أيام أذهب يومياً لبنك الخرطوم للتحويل للسودان، إلا أن البنك دائماً ما يقدم اعتذاراً بعدم إمكانيتهم تحويل الأموال من السعودية للخرطوم، بينما البنك الوحيد الذي استفاد من تحويلات المغتربين هو بنك فيصل.
وقال بشير: ما يميز السعر الموازي والسوق الأسود هو أن الأموال تصل الى وجهتها بسرعة فائقة، بينما البنك يماطل في إرسال وتسليم الأموال، الأمر الذي يحد من الثقة بين البنك والعملاء المغتربين، ولكن إذا توفر التعامل الجيد من جانب البنوك، فإننا كمغتربين سنحول كل أموالنا عبر البنوك.
ضمانات واضحة
دائمًا ما يعاني المغتربون في الدول الأوروبية وأمريكا في إيجاد طريقة سريعة وآمنة لتحويلاتهم النقدية.
إخلاص عبد المجيد يوسف مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية، أكدت (للصيحة)، أن ما يمنع المغتربين المتواجدين بأمريكا من إرسال وتحويل أموالهم عبر البنوك هو صعوبة الإجراءات والتلكؤ الذي تجده أسرهم عندما يحولون أموالهم عبر البنوك. وأضافت: يجب تبسيط الإجراءات والعقبات بل أن تكون الإجراءات واضحة وغير معقدة يسهل فهمها للجميع، فضلاً عن سرعة التسليم للأموال المرسلة.
وأوضحت إخلاص أن صعوبة الإجراءات والتأخير في تسليم الأموال من شأنه أن يؤدي إلى عدم الثقة بين المغتربين والبنوك، وبالتالي يفقد البنك تحويلات المغتربين، وهي في النهاية خسارة كبيرة للبلد، وأشارت لضرورة الإعفاءات الجمركية بل والإشارة إلى الضمانات التي تؤكد صدق الحكومة حول هذه الإعفاءات.
وأكدت إخلاص أن الإجراءات التي اتخذها جهاز المغتربين مع البنك المركزي ستسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وبالتالي الخروج من الأزمة الاقتصادية والاستفادة من تحويلات المغتربين.
تجارب سيئة
بينما أوضح أبو فواز متولي أحد المغتربين بالخليج، أن المغترب ما يهمه هو إرسال أمواله للسودان للاستفادة منها في بعض المشاريع التي يمكن أن تعود عليه بالنفع بعد العودة من سنين الاغتراب، وأضاف: لدينا بعض التجارب السيئة لبعض المغتربين الذين عادوا للسودان دون وجود استثمار أو أثر واضح لفترة الاغتراب، وذلك نسبة لعدم تمكنهم من تحويل أموالهم للاستفادة منها في بعض المشاريع، وهو ما يجب على الحكومة الحالية أن تنتبه لهذا الأمر بفتح الباب لتحويلات المغتربين للاستفادة منها في تأهيل وتطوير نمط حياتهم، وبالتالي المساهمة في إنعاش الاقتصاد الوطني.
وطالب أبو فواز بضرورة إعفاء السيارات والأثاثات وغيرها من أملاك المغتربين.
توعية إعلامية
الزبير نوري من دولة الإمارات المتحدة، أوضح (للصيحة) عن وجود حيرة كبيرة وسط المغتربين بدولة الإمارات جراء عملية التحويل، مضيفاًك كان يجب على السفارات أن تقوم بتنوير المغتربين عن كيفية التحويل وسقف التحويل والحوافز التي يجنيها المغتربون جراء تحويل ربط محدد من الأموال، وقال أبو نوري: يوجد الكثير من المغتربين في الإمارات يريدون تحويل أموالهم عبر البنوك، ولكنهم حتى اللحظة لا يعرفون الكيفية والضمانات، مبينًا: يجب على وزارة المالية أن تقوم بإرسال مناديب لتوعية الجاليات السودانية عن الحوافز والامتيازات. وأوضح أبو نوري أن دولة إثيوبيا تقوم بتحفيز رعاياها الذين يحولون أموالاً محددة خلال العام بمنحهم قطع أراضٍ سكنية وأخرى استثمارية، ولكن حكومة السودان لم تكلف نفسها أن تشرح للمغتربين حوافزها، ولكن نتعشم خيراً في ظل وزير المالية جبريل إبراهيم.
وأقر أبو نوري بغياب جهاز المغتربين غياباً تاماً عن الساحة، الأمر الذي يدعو لهيكلة الجهاز، وأضاف: لدينا أكثر من خمسة وعشرين عاماً نقوم بدفع ما علينا من رسوم وضرائب وغيرها دون أي خدمة يقدمها الجهاز، وأكد نوري وقوفهم الحقيقي مع الحكومة الانتقالية، فقط عليها أن تقوم بالتوعية الكافية وتوضيح الحوافز، ونحن في جاهزية تامة لتحويل جميع أموالنا عبر البنوك، يجب فقط أن نعرف الحوافز بصورة واضحة وحقيقية، بل سابقاً المغتربون دفعوا أموالهم لبعض الاستثمارات دون أن يجدوا شيئاً.
الخرطوم: النذير دفع الله
صحيفة الصيحة