عبد اللطيف البوني

الجنيه العام وانفدع


(1 )
يقول الخبراء الاقتصاديون إن السياسات النقدية الجديدة ليست تعويما لسعر الجنيه السوداني فالتعويم يعني عدم التدخل النهائي من اي جهة البنك المركزي او غيره وترك المسألة للعرض والطلب ولكن السياسة المعلنة فيها تدخل اذ ان هناك آلية تجتمع وتصدر سعرا تأشيريا للبنوك لشراء وبيع الدولار وهذا يسمى السعر المرن المدار وفي تقديري أن الحكاية ما فرقت كتير فطالما أن المرونة تجعل سعر الآلية احيانا فوق السعر الموازي فهذا يجعل الجنيه يعوم ويندفع كمان كما جاء في الاغنية (الجدي العام وانفدع يابتنا شوف عيني سكر نقع ) ويكفي أن نائب رئيس بنك السودان وصفه بالتعويم المرن المدار والاهم أن السيد الصندوق قبل بالموضوع ورآه سكر نقع وفي النهاية خطأ شائع خير من صحيح مهجور فطالما أن الشارع اطلق على العملية تعويما فخلوها تعويم تعويم وغنوا ليها كمان
(2 )
هناك سؤال مهم يطرح نفسه وبقوة والاجابة عليه تترتب عليها تداعيات مهمة وهو هل ماوصل اليه الجنيه السوداني من قيمة هزيلة حالية هل هي قيمته الحقيقية ام ان الامر يرجع للمضاربات وفساد السياسات النقدية والمكايدات السياسية ؟ بعبارة اخرى أن يصل الجنيه السوداني قيمة واحد على اربعمائة من الدولار هل هذه قيمته الحقيقية ام حدث ذلك بفعل فاعل ؟ بعبارة ثالثة أن يصل الدولار الى سقف الاربعمائة جنيه سوداني هل هذه قيمة الجنيه السوداني الحقيقية ام أن الفساد المالي والاداري هو الذي اودى بالجنيه السوداني لهذا الدرك السحيق؟ قبل الاجابة على السؤال يجب أن نحدد المعايير التي نقيم بها هذا الجنيه ؟ هناك معايير كثيرة ولكن اهمها معايرة الصادر والوارد فكلما كان الصادر قليلا والوارد كبيرا قلت قيمة الجنيه كما ان هناك الناتج القومي الاجمالي والناتج المحلي الاجمالي اي مجموع قيمة السلع والخدمات في البلاد . فبما أن الانتاج في البلاد متدن جدا والوارد اعلى من الصادر بكثير اذن من الطبيعي أن يتدحرج الجنيه ويرتفع الدولار . بمقاييس صندوق النقد الدولي فإن قيمة الجنيه السوداني يجب أن تكون اقل من الواحد على اربعمائة اي يجب أن يساوي الدولار اكثر من اربعمائة جنيه سوداني وبكثير اما بمقاييس ما يسمى (السلة الامريكية) فان قيمة الجنيه السوداني يجب أن تكون في حدود الواحد على اربعمائة من الدولار
(3 )
اذا سلمنا بالمقاييس اعلاه (طبعا كلها امريكية) يمكن أن نقول إن الجنيه السوداني قد تدنى لاسباب موضوعية وليس نتيجة المضاربات والفساد الاداري والذي منه . طبعا من المؤكد للذين يرون أن التدني راجع لفساد السياسات حجج قوية وانه لو اتخذت سياسات معينة سوف ترتفع قيمة الجنيه . البرنامج الذي قدمته اللجنة الاقتصادية لقحت كان في هذا الاتجاه ولكن الحكومة الآن حزمت امرها واختارت طريق الصندوق ووصلت مرحلة التعويم واعتكفت في سوبا ثلاثة ايام بلياليها لتقوية خيارها هذا فإذن جفت الاقلام ورفعت الصحف . ليس هذا فحسب بل التجاوب من الشارع مع السياسات الجديدة كان فوق المتوقع . اما لماذا قبل الشارع السياسات الجديدة هل هو حراق روح(كتلوك ولا جوك جوك) ام بعد نظر؟ فهذه قصة اخرى . همنا الآن انه طالما انها اصبحت سياسة نافذة يجب أن نأخذها بحقها فطريق التطور الرأسمالي واضح ولايقبل اي انتقائية وقد سارت عليه دول وعبرت وبعضها تعثر ولحق امات طه فخليكم معانا إن شاء الله

صحيفة السوداني