دعم الاقتصاد.. هل من مخالف ؟!

المفهوم الملتبس لفكرة المعارضة في بلادنا ، هو مفهوم قديم يتبادل الدور في تبنيه من هم خارج السلطة أو المكون السياسي الذي يضع نفسه أو تضعه الأحداث خصماً للسلطة بعد كل عملية تغيير تحدث ..
وفي كل مرة تكون هناك طموحات بناء وإصلاح تتواجه بمساعي هدم وعرقلة ومعارضة بسقف مفتوح لكل ما تنتجه السلطة من خطط وأفكار .
وفي تقديري أن مسؤولية الأنظمة التي تأتي بعد ثورات شعبية والآمال في انتباهها لهذا الخلل وعملها على تصحيح هذه الفكرة عملياً، أكبر من التوقعات بأن يقوم صاحب سلطة انقلابية أو مشروع ايدلوجي بإشاعة ثقافة تقبل الآخر وإعلاء قيمة الانتماء للوطن وفرز مصلحة البلاد العليا بعيداً عن معترك الصراع السياسي بينه وبين خصومه أيا كانوا ..
الإقصاء وصناعة أو تعزيز الانقسام في الصف الوطني ليست من سمات أنظمة انتقالية مهمتها تهيئة المناخ للتحول الديموقراطي ، مهما كانت الحجج والمبررات .
وليست الدعوة لإعلاء قيمة الانتماء الوطني وإيجاد قواسم مشتركة بين جميع السودانيين يُحرًّم على الجميع المساس بها هي نوع من التنازلات من جانب السلطة الانتقالية عن أهداف الثورة أو التراخي مع من لديهم عاطفة أو حتى انتماء للنظام السابق .
محكات عديدة تمر بها البلاد حالياً تكشف لمن يتولون السلطة مدى احتياجهم لوحدة الصف الوطني شرطاً لنجاحهم في تحقيق أهداف وطنية لا ترتبط بحزب أو طائفة أو جماعة محددة .
من بينها محك القرارات الاقتصادية الحالية التي اختلف الناس أو اتفقوا حول توقيتها وصحة أو عدم صحة اتخاذ تلك القرارات قبل القيام بترتيبات محددة لكن لا أحد يمكن أن يعترض على الهدف من القرار في جعل تداول أو تحويل العملات الأجنبية عبر النظام المصرفي وليس عبر السوق الأسود .
هذا بالتأكيد توجه متفق عليه بين كل سوداني يمكن أن تضعه الظروف في مقعد السلطة ليدير الاقتصاد الوطني سيجد نفسه أمام تحدي كبير وهو القضاء على وحش السوق الأسود المدمر للاقتصاد بالتأكيد .
لن ينصلح حال البلد الاقتصادي إلا باستئصال هذا المرض من جسد الاقتصاد ،وبالتالي فإن دعم الاقتصاد الوطني بتحويل العملات عبر النظام المصرفي يجب أن يكون من القضايا المتوافق عليها بين جميع أبناء الوطن ، لأنه ليس دعمًا لاقتصاد حزب أو جماعة حاكمة بل هو دعم لعلاج حالة وطن وشعب أضناه الألم .. شعب يموت كل يوم ألف مرة .
لكن ذلك الكلام قد لايكفي لإقناع الجميع ما لم يستمع إليه أولاً الممسكون بدفة السلطة في البلد أن يفهموا أن ممارسة البغض السياسي وتخوين الخصوم وتجريمهم واقصائهم بشكل جماعي لايترك لديهم قدرة على التمييز ما بين معارضة نظام يجردهم من الوطنية وما بين معارضة الدولة والوطن الذي ينتمون إليه .
نقوا خطابكم السياسي من البغض والكراهية والتجريم الجماعي والرغبة في الانتقام من الخصم السياسي لكم فهناك مكون اجتماعي كبير ولديه طاقة وبقايا نفوذ مؤثر ويحتاج الوطن الآن ورغم أنف رغباتكم لدوره وتجاوبه مع ندائه .
الذكاء يكمن في القدرة على الجمع لا القدرة على التفريق .. والعبقرية السياسية تتجلى عند القائد الذي يعرف كيف يخاطب شعبه ويقنعه بأنه ولي أمر جميع أهل السودان وليس ولي أمر شلة أو جماعة أو قوى سياسية محددة .
لو فشلت سياسة التعويم سيخرج حمدوك ويتهم النظام البائد بإفشالها تماماً كما كان يخرج قادة الإنقاذ ويتهمون الطابور الخامس وعملاء الغرب كما يصفونهم باشعال الحروب وتضييق الخناق الاقتصادي ..
وفي الواقع فإن شيئاً من الحقيقة كان في حديث البشير و شيء منها أيضاً في حديث حمدوك .. لكن إذا كانت الانقاذ تتحمل جزءاً من المسؤولية في جعل خصومها يفجرون ويعارضون الدولة لأنها في وقت من الأوقات لم تميز بينها كنظام وبين الدولة السودانية ، فإن النظام الحاكم اليوم نظام قحت والعسكر والحركات يتحمل هو الآخر جزءاً من المسؤولية في فجور خصومه في الخصومة وعدم تمييزهم بين معارضته ومعارضة الدولة السودانية ..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version