مقالات متنوعة

اسماء جمعة تكتب مرحلة ما بعد العملية


أخيراً نفذت الحكومة العملية الجراحية الأكثر ألماً في الاقتصاد السوداني، وهي تحرير سعر الصرف أو (تعويم الجنيه)، القرار أثار نقاشات كثيفة على الأثير، في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وعلى أرض والواقع، فليس هناك (ونسة) هذه الأيام إلا عن تعويم الجنيه، وكل الشعب تحول إلى خبراء اقتصاد ومحللين، بعض يفتي دون علم وما أكثرهم، وبعض يفتي بعلم ولا أحد يسمعهم، وهناك أعداء الثورة من كوادر النظام المخلوع استغلوا الأمر لتأليب الشعب وخاصة البسطاء الذين يتخوفون من كل قرار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وقد أصبحوا سريعي الانفعال ــ ولهم الحق طبعاً ــ ولكن يجب أن ترفع الحكومة صوتها لتطمئنهم بما لديها من إجراءات تخفف عنهم قسوة العملية التي استغلاها البعض ضد المصلحة العامة.

تعويم الجنيه أصبح مثل التدخل الجراحي الذي لا مفر منه لمريض استنفذ كل العلاجات الأخرى، والمعروف أن الشخص لا يطيب بمجرد خروجه من العملية خاصة حين تكون كبيرة وقد يزداد الألم بعدها ويظل يستخدم المسكنات حتى تستقر حالته، ثم يأخذ أياماً حتى يكتمل التئام الجرح نهائياً، ثم أياماً أخرى لا يمارس النشاطات بصورة طبيعية وفي هذه الفترة يمنع من أشياء كثيرة ويطلب من أهله دعمه نفسياً وتشجيعه وإبعاده عن المؤثرات النفسية السالبة، ثم بعد ذلك يبدأ في العودة إلى الحياة الطبيعية تدريجياً حتى يعود إلى طبيعته تماماً، أي أن الشفاء بعد التعويم سيكون أكيداً مع الصبر واتباع الارشادات طبعاً.

يرى بعض علماء الاقتصاد أن تحرير سعر الصرف يضمن دائماً الوصول إلى حالة التوازن لقناعتهم بكفاءة الأسواق، ولكن الأمر يحتاج إلى ضبط الأسواق والرقابة الصارمة وإلا فإنه فعلاً سيقود إلى كارثة، ولابد من لجم الشائعات ووقف الحروب النفسية التي تكون دائماً هي السبب الرئيسي في استمرار المضاربات، وبتحرير سعر الصرف في السودان أو تعويم الجنيه تكون العملية المنتظرة قد انتهت وانتقلنا إلى مرحلة أخرى، والآن علينا التحدث عن كيف يكتمل تعافي الاقتصاد والعمل لتحقيقه بأمان.
عموماً لا يفتى ومالك في المدينة، لقد كتب أهل العلم عن هذا الأمر وتحدثوا وأفوا، وقد وضح تماماً لماذا لم يعد هناك مفر من تعويم الجنيه السوداني، ولوزير المالية السابق إبراهيم البدوي مقال رائع شرح فيه كل شيء عن العملية بشكل مبسط ودقيق يمكن لكل مواطن فهمه، كما قدم للحكومة النصح والإرشاد والدواء الذي يضمن نجاحها، ونوصي بقراءة المقال حتى لا تعوم عقولهم بسبب ما يقوله الجهلاء أو الدعايات المغرضة التي يبثها كوادر النظام المخلوع، فهو أيضا حاول تنفيذ هذا القرار ولكنه لم يفعل لأنه لا يقدم أبداً على الحلول الجذرية حتى لا تتضرر مصلحته فكل كوادره تجارة عملة بما فيهم الرئيس.
ما يجب أن يعرفه الجميع هو أن السودان ليس هو الدولة الوحيدة التي تقدم على هذه الخطوة فهناك دول كثيرة أقدمت عليها خلال العشر سنوات الماضية ونجحت، منها الأرجنتين والمغرب ومصر، وبلا شك هناك تجارب فاشلة ولكن علينا الاقتداء بالناجحة ويمكن أن يكون للسودان تجربته المميزة وعلى الحكومة القيام بكل الإجراءات التي تجعل العملية ناجحة تماماً ولا مجال للفشل، وعلى الجماهير أيضاً مساعدة الدولة بالتخلي عن المتاجرة في العملة والاتجاه نحو الإنتاج وعدم الإسهام في الفوضى.

صحيفة السوداني